14-07-2013 ~ 06:10 PM
رمضان ليس بالنّوم والتّسابق إلى الملذّات والسّهر في الخيام
مشاركة رقم 1
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012
الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي لـ”الخبر”
الجزائر: حاوره عبد الحكيم ڤماز دعا فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، الداعية الإسلامي المعروف، إلى العودة إلى رمضان الّذي عرفه المسلمون، رمضان الّذي ينبض بالرّوح والحياة والعطاء وليس بالنّوم وضياع الأوقات والتّسابق إلى الملذّات والسّهر في الخيام الّتي تُرتَكب فيها المعاصي والآثام. وطمأن في حوار خصّ به “الخبر”، المقصّرين في العشرين يومًا الأولى من شهر رمضان، بأن الوقت لم يفت بعد، وعليهم باستدراك ذلك في العشر الأواخر بالجدّ والاجتهاد في العبادة.
كيف يمكن للصّائم أن يحقّق مقاصد الصّوم؟
- الصّوم عبادة من أجلّ العبادات، وقُربة من أشرف القُربات، وطاعة مباركة، لها آثارها العظيمة والكثيرة والعاجلة والآجلة، من تزكية النّفوس وإصلاح القلوب وحفظ الجوارح من الفتن والشّرور وتهذيب الأخلاق، وفيها من الإعانة على تحصيل الأجور العظيمة وتكفير السيّئات المهلكة، والفوز بأعلى الدرجات.
والصّوم عمل اختصّه الله من بين سائر الأعمال، ففي الحديث القدسي الصّحيح عن أَبِي هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال الله: “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ...” أخرجه البخاري.
كفى بذلك تنبيهًا على شرفه وعظم موقعه عند الله ممّا يؤذن بعظم الأجر عليه، فبإضافة الله تعالى الجزاء على الصّيام إلى ذاته العليّة تنبيه على عظم أجر الصّيام، وأنّه يضاعف عليه الثّواب أعظم من سائر الأعمال، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمئة ضِعْفٍ، قال الله عزّ وجلّ: إِلاّ الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ، فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فم الصائم فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ”.
فما ظنُّك أيّها الأخ الكريم بثواب عمل يجزي عليه الكريم الجواد بلا حساب، “قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون”.
الإخلاص أظهر في الصّيام من غيره بين العبادات، فإنّه سرّ بين العبد وبين ربّه، لا يطّلع عليه غيره، إذ بإمكان الصّائم أن يأكُل ويشرب متخفيًا عن النّاس، فإذا حفظ صيامه عن المفطرات ومنقصات الأجر دلّ ذلك على كمال إخلاصه لربّه، وإحسانه العمل ابتغاء وجهه، ولذا يقول الله عزّ وجلّ في الحديث القدسي: “يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي” أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. نبّه سبحانه على وجهة اختصاصه، وبالجزاء عليه، وهو الإخلاص، والصّيام جُنّة، يقي الصّائم ما يضرّه من الشّهوات، ويجنّبه من الآثام الّتي تجعل صاحبها عُرضة لعذاب النّار، وتورثه الشّقاء في الدّنيا والآخرة، فعن عبد الرّحمن بن يزيد قال دَخلتُ مع عَلقمة والأسود على عبد الله فقال عبد الله: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شَبَابًا لا نَجِدُ شيئًا، فقال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ” أخرجه البخاري. ومعنى ذلك أنّ الصّوم قامع للشّهوة فيقي صاحبه عنة العذوبة ومخاطرها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال الله: “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاّ الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ، وَلا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلــَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا، إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ” أخرجه البخاري.
وفي المسند عن جابر عن النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “إِنَّمَا الصِّيَامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ، هُوَ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ” أخرجه أحمد.
وكيف نجعل من شهر رمضان بوابة للتّغيير والتّحسين؟
- لا بدّ أن نعود إلى رمضان الّذي عرفه المسلمون ينبض بالرّوح والحياة والعطاء، وليس بالنّوم وضياع الأوقات والتّسابق إلى الملذّات والسّهر في الخيام الّتي تُرتَكب فيها المعاصي والآثام. جاء في تفسير في قوله تعالى: “لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (سورة البقرة). هذا تعليل لفرضية الصّيام ببيان فائدته الكُبرى وحكمته العليا، وهو أنّه يعدّ نفس الصّائم لتقوى الله عزّ وجلّ بترك شهواته الطبيعية المباحة الميسورة امتثالاً لأمره، واحتسابًا للأجر عنده، فتتربّى بذلك إرادته على ملكة ترك الشّهوات المحرّمة والصّبر عنها فيكون اجتنابها أيسر عليه، وتقوى نفسه على النّهوض بالطّاعات والاصطبار عليها فيكون الثبات عليها أهون عليه.
والصّيام من أجل التّقوى كما ورد في الآية، ومن عظيم إكرام الله عزّ وجلّ أنّه جعل التّقوى مخرجًا للإنسان من كلّ ضيق، قال تعالى: “مَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا” (سورة الطلاق)، إعجاز هذه الآية في إبجازها، وبلاغتها في إطلاقها. عن أبي ذرّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “إِنِّي لَأَعْلَمُ آيَةً لَوْ أَخَذَ بِهَا النَّاسُ لَكَفَتْهُمْ: وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا” أخرجه الدارمي.
حينمـا تضيق الأمور كما هي الآن، وتستحكم الحلقات، وتسدّ المنافذ، وتنتصب العقبات، ويقنط الإنسان تأتي التّقوى فتتّسِع بها المضائق، وتحلّ بها العُقَد، وتفتح بها المسالك، وتذلّل بها العقبات، فمَن يتّق الله عند نزول المصيبة، فيُوَحِّد الله، ويصبِر لحُكمه، ويَرضى بقضائه، ويَثْبُت على مبدئه واستقامته يجعَل الله له مَخرجًا من هذه المصيبة فيُبَدِّل ضيقَه فَرَجًا، وخوفه أمْنًا، وعُسْرَه يُسْرًا. فمَن يتّق اللهَ، ولا يسمح للأفكار الزّائفة أن تأخُذ طريقَها إلى عقلِه يجعَل الله له مخرجًا من الضّيَاع والحيْرَة والضّلال وخيبة الأمل، ومَن يتّق الله فيبرأ ممّن حوله، ويبرأ مِن حَوْلِه وقوّتِه وعلمه يجعل الله له مخرجًا ممّا كلّفه به بالمعونة عليه، ومَن يتّق اللهَ فيَقِف عند حدودِ الله فلا يَقْرَبُها ولا يتَعدَّاها يجعَل الله له مخرجًا ممّا كلّفه به من الحرام إلى الحلال، ومِن الضّيق إلى السَّعة، ومِن النّار إلى الجنّة، ومَن يتّق اللهَ في كسب رزقه، فيتحرَّى الحلال الّذي يُرضي اللهَ عزّ وجلّ يجعَل الله له مخرجًا من تقطير الرِّزق بالكفاية، ومن إتلاف المال بحِفظه ونَمائه، ومَن يتّق الله في اتّباع السُنّة يجعَل الله له مخرجًا من ضلال أهل البدع، ونتائج ابتداعهم، ومَن يتّق اللهَ في اختيار زوجته وفي التّعامل معها يجعَل الله له مخرجًا معها من الشّقاء الزّوجي، ومَن يتّق اللهَ في تربية أولاده يجعَل الله له مخرجًا من عقوقهم وشقائه بشقائهم، ومَن يتّق الله في اختيار عمله وحُسن أدائه يجعَل الله له مخرجًا من إخفاقه فيه.
المقصّرون في العشرين يومًا الأولى من شهر رمضان، هل يمكنهم استدراك ما فاتهم خلال العشر الأواخر؟
- لا شكّ أنّه يستطيع تدارك ما فاته شرط أن يُشَمِّر عن ساعد الجِدّ ويجتهد في العبادة، فقد كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر شَدَّ المِئْزَر وأحْيَا ليْلَهُ وأيْقَظَ أهْلَه.
وما البرنامج الأمثل للأسرة المسلمة في العشر الأواخر؟
- ١- عدم الاكتفاء بترك المُباحات بل تقديم ترك المحرّمات عليها إذ لا يُعقَل ولا يقبل أن يترك المرء ما أحَلَّه الله له خارج وقت الصّيام من طعام وشراب ثمّ يأتي ما حرّمه الله عليه داخل وخارج رمضان كإطلاق البصر أو الغيبة أو الكذب أو الخيانة، فترك المحرّمات من باب أولى.
٢- استغلال وقت السَّحَر بالصّلاة والدعاء، فإنّه ينزل ربّنا إلى السّماء الدُّنيا في ثُلث اللّيل الآخر ويقول: هل مِن طالب حاجة فأقْضِيها له، هل من مستغفر فأغفر له....
٣- المحافظة على الصّلوات في جماعة المسجد لا سيما صلاة الفجر والعِشاء وذِكر الله عقب صلاة الفجر في المسجد وقراءة القرآن حتّى يأتي وقت صلاة الضُّحى فنُصلّيها إن أمْكن، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “مَن صلّى الغداة في جماعة ثمّ قعد يذكر الله حتّى تطلع الشّمس ثمّ صلّى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة”.
4- المحافظة على قراءة جزء من القرآن بتدبُّر وخشوع كلّ يوم حدًّا أدنى.
5- الدّعاء عند الفِطر والإفطار على تمرات ثمّ أداء صلاة المغرب قبل تناول الطّعام، وفي هذا فوائد روحية وصحية عظيمة.
6- المحافظة على صلاة التّراويح والقيام مع الإمام والانصراف معه ما أمكن ليكتب الأجر كاملاً.
7- التزام الأذكار المسنونة لا سيما صباحًا ومساء “لا يزال لسانَك رَطْبًا من ذِكْر الله”.
8- دفع صدقة يومية قدر الطّاقة، فقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جَوادًا وكان أجود ما يكون في رمضان كان كالرِّيح المُرْسَلة.
9- تحري ليلة القدر في اللّيالي المُفْرَدة من العشر الأخير مع قيامها بالصّلاة والذِّكر والدّعاء وقراءة القرآن والاستغفار. أسأل الله تعالى أن يتقبّل منّا ومنكم الصّيام والقيام وأن يُعيننا وإيّاكم على الصّيام والقيام وغضّ البصر وحفظ اللّسان وأن يجعلنا من عُتقائه من النّيران.