تساءلوا قائلين : كيف يتزوج محمد رسولُ الإسلام ميمونةَ وهو محرم ؟! واستشهدوا على ذلك بما جاء في صحيح الإمام البخاري كِتَاب (الْحَجِّ ) باب ( تزويج المحرم ) برقم 1706 حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج حدثنا الأوزاعي حدثني عطاء ابن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما
: أن النبي صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة وهو محرم .
وفي صحيح مسلم كِتَاب ( النِّكَاحِ ) باب ( تحريم زواج المحرم ) برقم 2527 وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير وإسحاق الحنظلي جميعا عن ابن عيينة قال ابن نمير حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء أن ابن عباس أخبره أن النبي صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة وهو محرم .
الرد على الشبهة
جاء في شرحِ سنن أبي داود برقم 1571 قال صاحب عون المعبودِ : ( تزوج ميمونة وهو محرم )
قال العيني واحتج بهذا الحديث إبراهيم النخعي والثوري وعطاء بن أبي رباح وحماد بن أبي سليمان وعكرمة ومسروق وأبو حنيفة وصاحباه وقالوا لا بأس للمحرم أن ينكح ولكنه لا يدخل بها حتى يحل ، وهو قول بن عباس وبن مسعود . وقال سعيد بن المسيب وسالم والقاسم وسليمان بن يسار والليث والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق لا يجوز للمحرم أن ينكح ولا ينكح غيره فإن فعل ذلك فالنكاح باطل وهو قول عمر وعلي . اِنتهى .
قُلْت : لا حجة لهم برواية ابن عباس هذه لأنها مخالفة لرواية أكثر الصحابة ولم يروه كذلك إلا ابن عباس وحده وانفرد به قاله القاضي عياض ولأن سعيد بن المسيب وغيره وهموه في ذَلِكَ وخالفته ميمونة وأبو رافع فرويا أنه نكحها وهو حلال وهو أولى بالقبول لأن ميمونة هي الزوجة وأبو رافع هو السفير بينهما فهما أعرف بالواقعة من ابن عباس لأنه ليس له من التعلق بالقصة ما لهما ولصغره حينئذ عنهما إذ لم يكن في سنهما ولا يقرب منه فإن لم يكن وهما فهو قابل للتأويل بأنه تزوجها في أرض الحرم وهو حلال فأطلق ابن عباس على من في الحرم أنه محرم لكن هو بعيد وأجيب عن التفرد بأنه قد صح من رواية عائشة وأبي هريرة نحوه كما قاله الحافظ في الفتح وقول سعيد بن المسيب أخرجه أبو داود وسكت عنه هو ثم المنذري وفي إسناده رجل مجهول فالقول المحقق في جوابه بأن رواية صاحب القصة والسفير فيها أولى لأنه أخبر وأعرف بها والله أعلم وقال الحافظ في الفتح وأجابوا عن حديث ميمونة بأنه اختلف في الواقعة كيف كانت ولا تقوم بها الحجة ولأنها تحتمل الخصوصية فكان الحديث في النهي عن ذلك أولى بأن يؤخذ به وقال عطاء وعكرمة وأهل الكوفة يجوز للمحرم أن يتزوج كما يجوز له أن يشتري الجارية للوطء وتعقب بأنه قياس في معارضة السنة فلا يعتبر به وأما تأويلهم حديث عثمان بأن المراد به الوطء فمتعقب بالتصريح فيه بقوله ولا ينكح بضم أوله وبقوله فيه ولا يخطب انتهى.
قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي بنحوه .
( وهم بن عباس الخ ) : هذا هو أحد الأجوبة التي أجاب بها الجمهور عن حديث بن عباس.
ألخص ما سبق على وجهين :
الوجه الأول : إن المقصودَ من كلامِ ابنِ عباسِ - رضي اللهُ عنهما- في قولِه: " تزوجها " أي: خطبها ، ولم يدخل بها وهو محرم ، بل دخل بها بعد التحللِ من الإحرامِ . يتضح ذلك من خلالِ الجمعِ بين الرواياتِ ،
ففي صحيح البخاري برقم 3926 عن ابن عباس قال : تزوج النبي صلى الله عليه و سلم ميمونة وهو محرم وبنى بها وهو حلال وماتت بسرف".
الوجه الثاني : إن ابنَ عباسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ( وَهِمَ )
خالفته ميمونة وأبو رافع فرويا أنه نكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حلال وهو أولى بالقبول؛ لأن ميمونة هي الزوجة وأبو رافع هو السفير بينهما فهما أعرف بالواقعة من بن عباس لأنه ليس له من التعلق بالقصة مالهما ولصغره حينئذ عنهما إذ لم يكن في سنهما ، فلم يدرك جيدًا الأمر على حقيقته ، ويوضح ذلك( صغر سنه ) ما ذكره صاحبُ كتاب تهذيب الأسماء (ج1 / ص378 ) قائلاً : ولد ابن عباس عام الشعب في الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وقيل: ابن عشر، وهو ضعيف، وقيل: ابن خمس عشرة، ورجحه أحمد بن حنبل وغيره. وثبت في الصحيحين عن ابن عباس أنه قال: مررت في حجة الوداع على أتان بين يدي الصف والنبي صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس بمنى وأنا غلام قد ناهزت الاحتلام.
ونلاحظ أيضًا أنه - رضي الله عنهما- هو الوحيد من أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الذي تفرد بهذه الرواية :" أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم ". وبالتالي نقدم قول صاحبة الشأن ( مَيْمُونَة) وسفير الزواج ( أَبِي رَافِعٍ ) كما جاء في صحيح الإمام مسلم برقم 2529 عن يزيد بن الأصم حدثتني ميمونة بنت الحارث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوجها وهو حلال قال وكانت خالتي وخالة ابن عباس .
وفي سنن الترمذي برقم 770 عَنْ أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه قَالَ:
تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت أنا الرسول فيما بينهما . صححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم 2695.
قلت: إن الراجح عندي الوجه الثاني ، ولو ثبت أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو محرم لصار ذلك شرعا لنا ، و لكان ذلك معروفًا لدى الجميع ، ويصير مباحًا للمسلم أن يتزوج وهو محرم ، إلا إذا كان ذلك من خصائصه- صلى الله عليه وسلم - وهذا لا دليل عليه .
أكرم حسن مرسي المحامي al mo7amy-
من دعاة الجمعية الشرعية بالجيزة