صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > الأخبار والمقالات > مكتبة طريق الخلاص > كتب ومراجع إسلامية

كتب ومراجع إسلامية حمل كتب وبحوث إلكترونية إسلامية

إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ

الجريمة الدانماركية ووسائل نصرة خير البرية صلى الله عليه وسلم إعداد وليد نور بسم الله الرحمن الرحيم إن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-05-2013 ~ 09:41 AM
نور الإسلام متواجد حالياً
افتراضي إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012





الجريمة الدانماركية
ووسائل نصرة خير البرية صلى الله عليه وسلم





إعداد
وليد نور






بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
"الحمدُ لله الهادي النّصِيرِ، فَنِعْمَ النَّصِير ونِعْمَ الهاد، الذي يَهْدِي مَن يشاء إلى صراطٍ مستقيم ويُبيّن له سُبُلَ الرشاد، كما هدى الذِين آمَنُوا لِمَا اخْتُلِفَ فيه مِنَ الْحَقّ وجَمعَ لهم الهُدَى والسَّدَاد، والذي ينصر رُسُلَه والذين آمنوا في الحياة الدّنْيَا ويومَ يقومُ الأشْهَاد، كما وعَده في كتابه وهو الصادقُ الذي لا يُخْلِفُ الميعاد.
وَأشهد أن لا الهَ إلا الله وَحْدَه لا شريكَ له شهادةً تُقِيمُ وَجْهَ صاحِبِها للدِّين حَنِيفاً وتُبَرِّئُه من الإلحاد.
وأشهد أنَّ محمداً عَبدُه ورسولهُ أفْضَلَ المرسلين وأكرمُ العباد، أرْسَلَه باِلهُدَى ودِين الحقِّ لُظْهِرَه على الدِّين كُلِّه ولو كَرِه أهل الشَّرْكِ والعِنَاد، ورَفَع له ذِكْرَه فلاَ يُذْكَرُ إلا ذُكِر معه كما في الأذَانِ والتشهدِ والخطبِ والمجامِعِ والأعيادِ.
وكَبَت مُحآدّه وأهْلَكَ مُشاقَّه وكَفَاه المستَهْزِئِيْنَ به ذوي الأحْقَادِ، وبَتَرَ شَانِئَهُ ولَعَنَ مُؤْذِيَه في الدنيا والآخرَةِ، وجَعَل هَوانه بالمِرْصَادِ، واخْتَصَّه على إخوانِه المرسلين بِخَصائِصَ تَفُوقُ التّعدَاد، فَلَهُ الوسِيلةُ والفَضِيلةُ والمقَامُ المحمودُ ولِواءُ الحمْدِ الّذي تَحْتَه كُلُّ حَمَّاد، صلى الله عليه وعلى آله أفضَل الصَّلَواتِ وأعلاها، وأكملها وأنمْاهَا، كما يُحِبُّ سبحانه أن يُصلّى عليه وكما أمر، وكما ينبغي أن يُصَلَّى على سيِّد البشر، والسلام ُعلى النبيِّ ورحمةُ الله وبركاتُه أفضل تحيةٍ وأحسنها وأوْلاَهَا، وأبْرَكها وأطيبها وأزكاها، صلاةً وسَلاماً دائمين إلى يوم التّنَاد، باقِيَيْن بعد ذلك أبداً رِزقاً من الله ما لهُ من نَفَاد" .
أما بعد:
إن من أوجب الواجبات وألزم الأركان على كل مسلم ومؤمن القيام بما تقتضيه شهادة أن محمدًا رسول الله من حقوق وواجبات، فلا يصح إيمان مسلم لم يقم بما تقتضيه هذه الكلمة من الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم والتصديق لخبره والطاعة لأمره صلى الله عليه وسلم، وتوقيره واحترامه صلى الله عليه وسلم فلا تطاول أو انتقاص، وتعزيره صلى الله عليه وسلم بنصرته ونصرة سنته حتى تسيل الدماء في سبيل ذلك والمسلم راض مسرور، يفدى رسول الله صلى الله عليه وسلم بروحه، وهو يعلم أن إيمانه لا يتحقق إلا إذا كان رسول الله أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، ولا غرو في ذلك فإن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي السبيل إلى الفلاح في الدنيا والسعادة في الآخرة، فلم لا يحبه المسلم وهو يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك من ساعة من ليل أو نهار إلا وأنفقها في سبيل أن يصل الدين إلى المسلم نقيًا، لم لا يحبه المسلم وهو يقرأ في سيرته كيف ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوقته وماله وجهده وحياته في سبيل نشر هذا الدين العظيم.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس رمزًا من رموز الأمة المسلمة فحسب، بل هو حجر الأساس في هذه الأمة المسلمة، فلولاه صلى الله عليه وسلم - بعد الله عزوجل – ما كان لتلك الأمة وجود، ويوم أن يدافع المسلم عن نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فهو ليس يدافع عن رمز ولكن يدافع عن عقيدة هي أغلى عند المسلم من حياته، بل إن أعظم أماني المسلم أن يختاره الله عزوجل فيما يقتلون في سبيله تبارك وتعالى، فما أحلاها من أمنية وما أعظمها من غاية.
يعلم الجميع ما أقدمت عليه صحيفة "يولاندس بوستن" الدانماركية من تطاول وإساءة لنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، وما تبع ذلك من مظاهرات وغضب إسلامي عارم، قابله عناد دانماركي يعضده تأييد أوروبي غربي.
لقد كان الموقف الإسلامي الشعبي في هذه القضية جيد في مجمله، ولكن حتى لا يصبح ما حدث انفعال وانزوى، وحتى نضع الأمور في نصابها ونرد على أولئك الذي نادوا بالحوار وطالبوا بالتهدئة، كان لابد من تلك الرسالة التي تعرضنا فيها لتلك الجريمة الدانماركية بحق خير البرية صلى الله عليه وسلم.
ولقد بينّا في هذه الرسالة، حكم الساب المتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوضحنا أن توبة هذا الآثم لا تسقط عنه حد القتل كما هو الراجح من أقوال العلم.
أما نصرته صلى الله عليه وسلم فقد عرضنا قبل أن نذكر سبلها ووسائلها كيف أن الله عزوجل نصر رسوله صلى الله عليه وسلم، وانتقم لنبيه صلى الله عليه وسلم من شائنيه على مر العصور والدهور، ثم ذكرنا طائفة من أهم وسائل نصرته صلى الله عليه وسلم، وألحقنا بالرسالة ملحقًا بمائة وسيلة من وسائل نصرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لا تترك لمسلم عذر في التقاعس عن واجب النصرة.
وفي الختام أسال الله عزوجل أن يتقبل مني هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم العرض عليه.
وإن كان من صواب فمن الله تبارك وتعالى، وإن كان غير ذلك فمني ومن الشيطان

وليد عبد الجابر أحمد نورالله
الإسكندرية 4 صفر 1427

الجريمة الدانماركية
في 30 سبتمبر 2005 نشرت صحيفة "يولاندس بوستن" الدانماركية 12 رسمًا كاريكاتيريًا سخرت فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ساعتها لم تتنبه الشعوب العربية والمسلمة لهذه الجريمة، غير أنه بعد هذه الفعلة بأشهر قليلة، اشتعل العالم كله غضبًا من هذه الجريمة النكراء، كيف بدأت هذه الجريمة؟، وإلى أين وصلت؟، هذا ما سنعرضه في الصفحات القادمة.
بداية الجريمة:
أما بداية تلك الجريمة، فيكشفها داعية مسلم بالدانمارك، حيث يذكر الشيخ "رائد حليحل" رئيس "الرابطة الأوروبية لنصرة خير البرية" أن كتابا متداولا بين الدانماركيين يسيء للإسلام من خلال الافتراء على نبيه الكريم كان هو السبب الرئيس وراء نشر صحيفة "يولاندز بوستن" الصور المسيئة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
وقال رائد حليحل: إن "ثمة كتابا ينتشر في الأسواق الدانماركية حاليا للمؤلف كوري بلوتيكن بعنوان (القرآن وحياة محمد) يحمل بين صفحاته إساءة للإسلام".
وروى القصة التي أدت بالكتاب لأن يصبح السبب الرئيسي في نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة قائلا: "طلب مؤلف الكتاب من رسامين رسم صور مسيئة للرسول، بيد أن الرسامين رفضوا خوفا من رد فعل المسلمين".
وأردف: "بعد ذلك توجه المؤلف إلى الصحيفة وعرض الموضوع على رئيس تحريرها الذي تبنى القضية في إطار ما يعتقد أنه حرية الرأي والتعبير".
وأضاف: "بعدها دعا رئيس التحرير نحو 40 رساما إلى رسم هذه الرسوم الكاريكاتيرية؛ لكن لم يستجب لهذه الدعوى سوى 12 رساما وضع كل منهم تصوره قبل أن يستعين المؤلف بالرسوم في كتابه، ويقوم بطباعته ونشره في 24-1-2006".
وقال رئيس "الرابطة الأوربية لنصرة خير البرية": إن "المؤلف انتقى مواقف من سيرة الرسول، ووظفها بطريقة تخدم غايته الذميمة في الطعن في الرسول، وبالتالي الطعن في الإسلام".
وأضاف: "المؤلف تناول قضايا خطيرة ذات مغزى"، وأوضح أن "الكتاب يقول إن الرسول قتل اليهود؛ حيث اعتبر المؤلف أن الحقبة الزمنية التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم شهدت محارق لليهود تفوق محارق النازي ضد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية (الهولوكوست)".
بعد قيام الصحيفة الدانماركية بنشر الصور المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في 30 سبتمبر 2005، بدأت الجالية المسلمة في الدانمارك بالتحرك عبر الوسائل المشروعة، حيث سعوا إلى مقابلة رئيس تحرير الصحيفة ورئيس الوزراء الدانماركي، كما سعوا إلى مقاضاة الصحيفة ولكن ذلك كان دون جدوى، حيث كان الرد الدائم هو التذرع بحرية التعبير وحرية الصحافة.
بعد ذلك قام وفد من مسلمي الدانمارك يحمل ملف هذه القضية بزيارة الدول المسلمة وتركزت جولته في مصر والسعودية التي قام أئمتها وشيوخها بتفعيل القضية في خطبهم، وانتقلت القضية إلى شبكة الإنترنت وإلى الفضائيات، وتعالت الدعوات إلى مقاطعة الدانمارك اقتصاديًا، خاصة وأن دول الخليج من أكبر مستوردي المواد الغذائية الدانماركية، واشتعلت أنحاء الأرض بالغضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مطالبين باعتذار صريح وواضح من الحكومة الدانماركية ومعاقبة المسئولين عن تلك الفعل، غير أن الحكومة الدانماركية ركبت رأسها ورفضت تقديم هذا الاعتذار، وقام الاتحاد الأوروبي بمساندة الدانمارك في هذه القضية، وأعلن رفضه للمقاطعة الاقتصادية، وبدأت العديد من الصحف الأوروبية تعيد نشر الصور المجرمة في محاولة لتخفيف الضغوط عن الدانمارك.
ويشير الشيخ "رائد حليحل" إلى أن الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الدانمارك بدأت بطريقة اعتباطية، لكنها الآن تسير بشكل ممنهج ومخطط له جيدا، حتى إنها بدأت تجد صدى في الأوساط الغربية الخارجية، وبرهن على التجاوب الغربي مع موقف الدانمارك بتأكيده أن ثمة شركة ألمانية للملابس القطنية طبعت أحد الرسوم المسيئة على بعض منتجاتها، وأوضح أن هذا الرسم يصور رجلا يرتدي عمامة بها قنبلة بفتيل مشتعل ومكتوب عليها "لا إله إلا الله".
وأكد أن الشركة عرضت منتجاتها بموقعها الإلكتروني، وأنها أفصحت عن نيتها تخصيص أرباح مبيعات تلك المنتجات لما أسمته "نصرة حرية الرأي بالدانمارك".
وأشار رئيس الرابطة الأوربية لنصرة خير البرية إلى شركة أمريكية أخرى لم يذكر اسمها أعلنت استعدادها شراء المنتجات الدانماركية التي يقاطعها العرب والمسلمون؛ لتعويض الدانماركيين عن خسارتهم بسبب المقاطعة.
وقد كشف تحقيق صحفي نُشر يوم الأربعاء 1/3/2006 أن الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم نشرت في 143 صحيفة من 56 بلدًا، وقد أعادت هذه الصحف نشر رسم واحد أو أكثر من الرسوم الـ 12 المثيرة للجدل في نشراتها المطبوعة وخصوصًا على شبكة الإنترنت.
وأشار التحقيق إلى أن أكبر عدد من إعادة نشر الرسوم كان في الدول الغربية مثل أوروبا [70] والولايات المتحدة [14] وكندا [3] وأستراليا [2] ونيوزلندا [3] واليابان [1].
كذلك نشرت الرسوم في ثماني دول إسلامية هي الجزائر ومصر والأردن والسعودية والمغرب وماليزيا وإندونيسيا والبوسنة والهرسك.
وأفادت هذه الدراسة التي أجريت خلال فبراير أنه في الولايات المتحدة ورغم أن أيًا من الصحف الوطنية لم تنشر الرسوم الكاريكاتورية، نشرتها 14 صحيفة إقليمية أو محلية.

مواقف مجرمة وأخرى مشبوهة:
كان التفاعل الشعبي المسلم مع قضية الصور المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غاية الروعة، حيث انطلقت الأمة على كافة الأصعدة تندد بتلك الجريمة، وتطالب بمحاكمة المسئولين، غير أن هذه الجريمة أظهرت كذلك حقيقة الموقف الأوروبي الغربي من الإسلام والمسلمين، كما أنها كشفت عن مواقف مشبوهة لعدد من المسلمين
الموقف الأوروبي:
مع اشتعال الأزمة في أرجاء العالم الإسلامي، تميز الموقف الغربي بمساندته للدانمارك بشكل كامل، إلا إنه في الوقت ذاته حاول خداع العالم المسلم، حيث توجه خافير سولانا مفوض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي إلى المنطقة ينشر فيها كلمات دبلوماسية منمقة حول الجريمة غير المسبوقة التي أساء فيها الغرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، في حين كان الموقف الرسمي الغربي يعلن في ذات التوقيت بعدة أشكال مختلفة:
1- أعلن الاتحاد الأوربي على لسان رئيس المفوضية الأوروبية دعمه للدانمارك ومشاركته لها أمام ما أسماه بالانتقادات الحادة, و كرر بصيغة غاضبة قوله : إن حرية الرأي قيمة أصيلة في أوربا ويجب على الأديان أن تتكيف معها، وإن علينا أن نقول لهؤلاء الذين لا يوافقون على الرسومات أن حرية الرأي لا يمكن المساومة عليها'.
2- صرّح نائب رئيس المفوضية الأوروبية ومفوض شئون الحريات العامة والأمن والعدل 'فرانكو فراتيني' بأنه ' لا يمكن تقييد ممارسة حرية التعبير '، وبأنه يستنكر الحملة الشديدة ضد الدانمارك، وبأن الذين يحرقون علم الدانمارك كأنهم يحرقون علم بلاده.
3- رفضت الحكومة الدانماركية على لسان رئيس وزرائها تحمل أية مسؤولية عن نشر تلك الرسومات، ورفضت الضغوط التي طالبتها بالاعتذار , وقال أحد وزرائها : ربما نرسل ممثلين عن الصحيفة للشرق الأوسط لتوضيح الموقف.
4- أعلن أحد الوزراء الإيطاليين عن طباعته لآلاف القمصان التي رُسم عليها تلك الرسوم وابتدائه في توزيعها بالمجان.
5- قال رئيس الوفد المسيحي الأوربي الأسقف البروتستانتي ' كارستن نيسن ' الذي زار القاهرة والتقي شيخ الأزهر :إننا لن نقدم اعتذارًا باسم الحكومة الدانماركية أو باسم الصحيفة , هذا ليس هدف زيارتنا. نحن سننقل فقط تصريحات رئيس الوزراء الدانماركي التي ينأى فيها بنفسه عن الرسوم الكاريكاتورية '.
6- قال رئيس الوزراء الدانماركي محذرًا المسلمين في بلاده إنه بعدما تنتهي الأزمة سوف يفتح السجلات، وسيحاكم كل من استغل الأزمة للتشنيع ببلاده.

المواقف المشبوهة:
أما المواقف المشبوهة، فقد تمثل أخطرها في دعوة عدد من الدعاة إلى إجراء حوار مع الدانمارك بدعوى أنهم لم يقدموا على جريمتهم إلا إنهم لا يعرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغت ذروة هذا الموقف المشبوه الدعوة إلى عقد مؤتمرًا عن قضية الصور المسيئة في الدانمارك يومي 9و10 مارس، وهي الدعوة التي رفضها جل علماء المسلمين ورحبت الحكومة الدانماركية بها بحفاوة ولم لا وهي تلقي للحكومة الدانماركية حبل النجاة من الغضب الإسلامي المحتد، وتزداد الشكوك بحقيقة هذا المؤتمر عندما نرى القائمين عليه يتجاهلون دعوة أيًا من قادة الجالية المسلمة بالدانماركية للمشاركة.
إن الدعوة إلى الحوار في ظل الرفض الدانماركي الاستجابة لأبسط مطالب المسلمين، وهو الاعتذار عن تلك الجريمة، لهو أمر مشبوه وغير مقبول ولا يبرره أي سبب، إن إسلام الإنسان لا يتحقق إلا إذا نطق بالشهادتين "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله"، والمسلم في هذه الحياة مطالب بتحقيق الشهادتين ومقتضياتهما، فلا يصح ولا يجوز أن تصبح حقوق النبي صلى الله عليه وسلم خاضعة للمصالح الوقتية والأعمال الفردية.

الجريمة ليست جديدة
من الأمور المؤكدة أن هذه الجريمة الدانماركية بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست جديدة على العقلية الغربية، بل إنها نتاج ما توارثته العقلية الغربية من نظرة مشوهة عمدًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللإسلام، وليس هذا غريبًا فقد أخبر الله عزوجل في كتابه الكريم بأن هذا جرى مع الرسل السابقين، فقال تعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [الأنعام:10].
ولن نتحدث عن الإساءة للرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم منذ العهد المكي، فذلك أمر معروف، ولكن سوف تتوجه وجهتنا تجاه أوروبا، حيث أفاض الدكتور "عبد الرحمن بدوي" في كتابه "دفاع عن محمد صلى الله عليه وسلم ضد المنتقصين من قدره" في عرض مواقف الباحثين والمؤلفين الأوروبيين من رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ القرن العاشر الميلادي وما قبله، حيث يظهر كم الإساءات المتعمدة والأكاذيب المشوهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولدين الإسلام، ويتأكد لنا أن هذه الأكاذيب لم تكن أمرًا عفويًا أو نادرًا بل كانت منهجًا تلقاه الخلف عن السلف، فلم يكن مستغربًا أن تقدم صحف غربية معاصرة في تجديد للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
وبعيدًا عن ذكر الأمثلة الكثيرة على ذلك نكتفى بإيراد شهادة واحدة أدلى بها الباحث الفرنسي "إرينست رينان"، والذي يقول: "لقد كتب المسيحيون تاريخًا غريبًا عن محمد .. إنه تاريخ يمتلئ بالحقد والكراهية له، لقد ادعوا أن محمدًا كان يسجد لتمثال من الذهب كانت تخبئه الشياطين له، ولقد وصمه دانتي بالإلحاد في رواية الجحيم، وأصبح اسم محمد عنده وعند غيره مرادفًا لكلمة كافرًا أو زنديق، ولقد كان محمدًا في نظر كتاب العصور الوسطى تارة ساحرًا، وتارة أخرى فاجرًا شنيعًا ولصًا يسرق الإبل، وكاردينالاً لم يفلح في أن يكون بابا فاخترع دينًا جديدًا اسمه الإسلام لينتقم به من أعدائه، وصارت سيرته رمزًا لكل الموبقات وموضوعًا لكل الحكايات البغيضة".
هكذا يلخص رينان النظرة الأوروبية على مدى القرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي نظرة لم تختلف كثيرًا في العصر الحديث، فإذا عدنا إلى أوائل القرن التاسع عشر والقرن العشرين فإننا نجد فريقا من المستشرقين أساءوا إلى الرّسول محمّد صلى الله عليه وسلم، فمنهم من اتّهمه بسرقة ما جاء في التوراة والإنجيل كأبراهام جيجر في كتابه "ماذا استفاد محمد من اليهودية" (بون 1833)، وهير شفيلد في "العنصر اليهودي في القرآن" (برلين 1878)، وسيدرسكي في "أصول الأساطير الإسلامية في القرآن" (باريس 1933)، وريتشاربل في "أصل الإسلام في بيئته الإسلامية" (لندن 1926).
وهكذا تستمر الإساءة والإجرام حتى نصل إلى العصر الحالي، فتأخذ الإساءة بعدًا أكثر تنظيمًا، وأكثر قبحًا ولعل أخطر هذه الإساءات تلك الحملة الكبرى التي نظمتها مجموعة من الجمعيات التّنصيرية حشدت أكثر مليون منصّر بدعم من الفاتيكان للحدّ من انتشار الإسلام في العالم، والعودة بالبشريّة إلى المسيحيّة، ونشرت صحيفة (فليت إم زونتاج) الألمانية تقريراً عن منظمة رابطة الرهبان لتنصير الشعوب سلطت فيه الضوء على جهود المنظمة في نشر الدين المسيحي ومعتقداته حول العالم.
وكشفت الصحيفة في ثنايا تقريرها وهي تشيد بالمنظمة التنصيرية أن المنظمة وهي (المؤسسة الوحيدة في العالم التي تتصدى بفاعلية للصراع بين المسيحية والإسلام ) بحسب وصف الصّحيفة، تعمل بجيش يضم أكثر من مليون منصّر للحدّ من انتشار الإسلام في العالم وعلى تشويه صورة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، كما تسعى الرابطة أيضاً لإعادة البشر في كل أنحاء العالم للمسيحيّة.
ونقلت الصحيفة أيضاً في تقريرها أن الصراع الذي تقوده رابطة الرهبان لا يخلو من العنصر العسكري، واستدلت في ذلك بأن الكاردينال (كريشنسيو زييه) رئيس الرابطة دائماً ما يصف المُنَصِّرين العاملين معه بـ( قُوّاتي)، وهذا كما يؤكد التقرير ليس من قبيل الصدفة؛ فقادة الرابطة يعتبرون أنفسهم في حرب معلنة، إذ لا بد أن يكون هناك قادة وقوات كثيرة العدد، وهذا العدد عنصر مهمّ في هذه الحرب حول "العقيدة". ورابطة الرهبان وحدها كما يوضح التقرير موجودة في 40% من أراضي العالم المسيحي، ومعترف بها من 1081 أسقفية، ولرابطة 0الرابطة أكثر من مليون مدرس تعليم مسيحيّ تخرجوا في القسم المحارب للرابطة، وهم يجوبون كل مكان في العالم من قرية لقرية؛ لإقناع المترددين في الإيمان بالعقيدة المسيحية ولإنجاح هذه الأهداف يتم تأمين مبالغ مالية ضخمة تصل إلى 500 مليون دولار سنويًّا.
وهكذا نرى أن الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر متعمد ونهج متبع، وليست الجريمة الدانماركية حادثة فردية، كما يحاول البعض الترويج لذلك في سبيل التخفيف من حدة الغضب الإسلامي.

حكم الساب المتطاول على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم
تواترت الآيات والأحاديث وأجمع الصحابة والعلماء على كفر الساب المتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان مسلمًا، وعلى انتقاض عهده إذا كان ذميًا أو معاهدًا، واتفق العلماء على وجوب قتله، ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية في "الصارم المسلول" أن ساب النبي صلى الله عليه وسلم لا تسقط توبته إن تاب الحد عنه، وكذلك إن أسلم، فتوبته وإسلامه إن كانت تنفعه في الآخرة فإنها لا تسقط عنه الحد في الدنيا، وذلك حفظًا لمقام النبي صلى الله عليه وسلم وصونًا لعرضه من أن يتساهل فيه كل أحد.
يقول القاضي عياض: "قد تقدم من الكتاب والسنة وإجماع الأمة ما يجب من الحقوق للنبي صلى الله عليه وسلم، وما يتعين من بر وتوقير، وتعظيم وإكرام، وبحسب هذا حرم الله تعالى أذاه في كتابه، وأجمعت الأمة على قتل منتقصه من المسلمين وسابه، قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا) [الأحزاب 57]، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، وقال الله تعالي: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا) [الأحزاب 53]" .
وقال إسحاق بن راهويه: "أجمع المسلمون على أنَّ من سَبَّ اللهَ، أو سَبَّ رسولَه صلى الله عليه وسلم، أو دَفَعَ شيئاً مما أنزل الله عزّ وجلّ، أو قَتَلَ نبياً من أنبياء اللهِ عزّ وجلّ، أنه كافر بذلك وإن كان مُقِرّاً بكل ما أنزل اللهُ." .
ويقول ابنُ المُنْذِرِ: "أجمعَ عوامُّ أهلِ العلمِ على أَنَّ حَدَّ من سَبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم القتل، وممن قاله مالكٌ واللَّيثُ وأحمدُ وإسحاقُ، وهو مذهبُ الشافعي، وحُكي عن النعمان: لا يقتل – يعني الذِّمَّي- ما هُم عليه من الشركِ أعْظَمُ" .
وقال محمد بن سحنون أحد فقهاء المالكية: أجمع العلماء أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المنتقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر" .
ونقل أبو بكر الفارسي أحد أئمة الشافعية في كتاب الإجماع أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم مما هو قذف صريح كفر باتفاق المسلمين فلو تاب لم يسقط عنه القتل؛ لأن حد قذفه القتل، وحد القذف لا يسقط بالتوبة" .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن سب الله أو سب رسوله كفرٌ ظاهراً وباطناً، وسواءٌ كان السابُّ يعتقد أن ذلك محرَّمٌ، أو كان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمانَ قولٌ وعملٌ) .
وفيما يلي نسرد الأدلة من القرآن والسنة على كفر ساب النبي صلى الله عليه وسلم ووجوب قتله بسبب فعلته الشنيعة، ونبدأ أولا بأدلة ذلك الأمر إن كان المقترف لهذا الفعل الأثيم مسلمًا.

الأدلة على كفر الساب ووجوب قتله إذا كان مسلمًا :
1- قوله تعالى: (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [التوبة 61]إلى قوله: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ) [التوبة 63].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " .. فعُلم أن إيذاء رسول الله محادَّة لله ولرسوله؛ لأن ذكر الإيذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادة، فيجب أن يكون داخلاً فيه، ولولا ذلك لم يكن الكلام مؤتلفاً إذا أمكن أن يقال: إنه ليس بمحاد، ودل ذلك على أن الإيذاء و المحادّ‌َة كفر؛ لأنه أخبر أن له نار جهنم خالداً فيها، ولم يقل: "هي جزاؤه"، وبين الكلامين فَرْق، بل المحادَّة هي المعاداة والمشاقَّة، وذلك كفر ومحاربة؛ فهو أغْلَظُ من مجرد الكفر، فيكون المؤذي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كافراً، عدوّاً للهِ ورسوله، محارباً لله ورسوله، لأن المحادَّة اشتقاقها من المباينة بأن يصير كلُّ واحد منهما في حد ... وفي الحديث أنَّ رجلاً كان يسبُّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: "مَنْ يَكْفِيني عَدُوِّي؟"، وهذا ظاهر .. وحينئذٍ فيكون كافراً حَلال الدم؛ لقوله تعالى: (إنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ في الأَذَلِّين) [المجادلة 20]، ولو كان مؤمناً معصوماً لم يكن أذلَّ؛ لقوله تعالى: (وَللهِ العزةُ ولرسُولهِ وللمؤمِنيْنَ) [المنافقين 8]وقوله: (كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [المجادلة 5]، والمؤمن لا يُكبت كما كُبت مكذبو الرسل قط، ولأنه قد قال تعالى: (لاَ تجدُ قوماً يُؤمنونَ بِاللهِ واليوْمِ الآخرِ يُوآدُّونَ منَ حآدَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) الآية، فإذا كان من يُوَادّ المحادَّ ليس بمؤمن فكيف بالمحاد نفسه؟ وقد قيل: إن من سبب نزولها أن أبا قُحَافَةَ شتم النبي صلى الله عليه وسلم فأراد الصديق قتله، وأن ابن أُبَيّ تنقَّصَ النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذن ابنُه النبيَّ صلى الله عليه وسلم في قتله لذلك، فثبت أن المحادَّ كافرٌ حلالُ الدم.." .
2- قوله سبحانه: (يَحْذَرُ المُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُوْرَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا في قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزئُوا إنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُون* ولَئِن سَألْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخوُضُ ونَلْعَبُ قُلْ أَبالله وآياتِهِ وَرَسُولهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرتُمْ بَعْدَ إيْمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرميْنَ) [التوبة 64-66].
يقول شيخ الإسلام: ".. هذا نصٌّ في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر، فالسبُّ المقصود بطريق الأَوْلى، وقد دلَّتْ هذه الآية على أن كل مَنْ تنقَّصَ رسول الله صلى الله عليه وسلم جادّاً أو هازلاً فقد كفر.
وقد رُوي عن رجال من أهل العلم – منهم ابنُ عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقَتَادة – دخل حديثُ بعضهم في بعض ، أنه قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك؛ ما رأيتُ مثل قُرَّائنا هؤلاء أرغبَ بطوناً، ولا أكذبَ أَلْسُناً، ولا أجْبَنَ عند اللقاء، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء، فقال له عَوْف بن مالك: كذبْتَ، ولكنك منافق، لأخبرنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب عَوْف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجدَ القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجلُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركِبَ ناقته، فقال: يا رسول الله إنما كنا نَلْعَبُ ونتحدَّثُ حديث الركب نَقْطَع به عناء الطريق.
قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقاً بِنِسْعَةِ ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الحجارة لتنكب رجليه وهو يقول: إنما نخُوضُ ونلعب، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَبِاللهِ وآيَاتِهِ وَرَسُولهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) ما يلتفت إليه، وما يزيده عليه.
وقال مجاهد: قال رجل من المنافقين: يحدثنا محمدٌ أن ناقة فلان بوادي كذا وكذا، وما يدريه ما الغيب، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
وقال مَعْمَر عن قَتَادة: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تَبُوك ورَكْبٌ من المنافقين يسيرون بين يديه، فقالوا: أيظنُّ هذا أن يفتح قصورَ الروم وحصونَهَا؟ فأطْلَعَ الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "عَليَّ بِهَؤُلاَءِ النَّفَرِ" فدعا بهم فقال: "أََََقُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟" فحلفوا ما كنا إلا نخوض ونلعب.
قال مَعْمر وقال الكلبي: كان رجل منهم لم يمالهم في الحديث يسير مجانباً لهم، فنزلت: (إِنْ نَعْفُ عَنْ طَآئِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً) فسُمي طائفة وهو واحد.
فهؤلاء لما تنقَّصوا النبي صلى الله عليه وسلم حيث عابوه والعلماءَ من أصحابه، واستهانوا بخبره أخبر الله أنهم كفروا بذلك، وإن قالوه استهزاء، فكيف بما هو أغلظ من ذلك؟ وإنما لم يُقِم الحدَّ عليهم لكون جهاد المنافقين لم يكن قد أُمِرَ به إذ ذاك، بل كان مأموراً بأن يَدَعَ أذاهم، ولأنه كان له أن يعفو عمن تنقصه وآذاه" .
3- قال سبحانه: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ) [التوبة 58]، وقال تعالى: (وَمِنْهُمُ الذِينَ يُؤْذُونَ النّبي) [التوبة 61].
يقول شيخ الإسلام: ".. وذلك يدلُّ على أن كلَّ من لمزه أو آذاه كان منهم ؛ لأن (الَّذِينَ) و (مَنْ) اسمان موصولان، وهما من صيغ العموم، والآية وإن كانت نزلت بسبب لَمْزِ قَوْمٍ وأذى آخرين، فحكمها عامٌّ كسائر الآيات اللواتي نزلَنْ على أسباب، وليس بين الناس خلافٌ نعلمه أنها تعمُّ الشخصَ الذي نزلت بسببه ومَن كان حاله كحاله، ولكن إذا كان اللفظ أعمَّ من ذلك السبب فقد قيل: إنه يُقْتَصَر على سببه، والذي عليه جماهيرُ الناس أنه يجب الأخْذُ بعموم القول، ما لم يقم دليل يوجب القصر على السبب كما هو مقرر في موضعه" .
ثم قال شيخ الإسلام: ".. لما أخبر سبحانه أن الذين يَلْمَزُونَ النبي صلى الله عليه وسلم والذين يؤذونه من المنافقين ثبت أن ذلك دليلٌ على النفاق وفرعٌ له، ومعلومٌ أنه إذا حصلَ فرعُ الشيء ودليلُه حصل أصلُه المدلولُ عليه، فثبت أنه حَيْثُما وجد ذلك كان صاحبه منافقاً سواء كان منافقاً قبل هذا القول أو حَدَثَ له النفاق بهذا القول .. وأيضاً، فإن هذا القول مناسبٌ للنفاق؛ فإن لَمْزَ النبي صلى الله عليه وسلم وأذاه لا يفعله مَن يعتقد أنه رسولُ الله حقاً، وأنه أَوْلى به من نَفْسه، وأنه لا يقول إلا الحق، ولا يحكم إلا بالعدل، وأن طاعته طاعة لله، وأنه يجب على جميع الخلق تعزِيرُه وتوقيره، وإذا كان دليلاً على النفاق نفسِهِ فحيثما حصلَ حصل النفاق.
وأيضاً، فإن هذا القول لا رَيْبَ أنه مُحَرَّم؛ فإما أن يكون خطيئةً دون الكفر أو يكون كفراً، والأول باطل؛ لأن الله سبحانه قد ذكر في القرآن أنواع العُصَاة من الزاني والقاذف والسارق والمُطَفِّفِ والخائن، ولم يجعل ذلك دليلاً على نفاق معين ولا مطلق؛ فلما جعل أصحاب هذه الأقوال من المنافقين عُلم أن ذلك لكونها كفراً، لا لمجرد كونها معصية؛ لأن تخصيص بعض المعاصي بجعلها دليلاً على النفاق دون بعض لا يكون حتى يختص دليلُ النفاق بما يوجب ذلك، وإلاَّ كان ترجيحاً بلا مُرَجِّح، فثبت أنه لابُدَّ أن يختص هذه الأقوال بوصفٍ يُوجبُ كونها دليلاً على النفاق، وكلما كان كذلك فهو كفر" .
ثم أشار شيخ الإسلام إلى كفر المنافقين بقوله: ".. وقد نَطَقَ القرآن بكفر المنافقين في غير موضع، وجعلهم أسوأ حالاً من الكافرين، وأنهم في الدَّرْك الأسفل من النار، وأنهم يوم القيامة يقولون للذين آمنوا: (انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُم) الآية، إلى قوله: (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ ولاَ مِنْ الّذِين كَفَرُوا) [الحديد 31-15] وأمر نبيَّه في آخر الأمر بأن لا يصلي على أحدٍ منهم وأخبر أنه لَنْ يغفر لهم. وأمَرَهُ بجهادهم والإغلاظ عليهم، وأخبر أنهم إن لم ينتهوا لَيُغْرِيَنَّ الله نبيه بهم حتى يُقَتَّلُوا في كل موضع" .
4- قوله سبحانه وتعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء 65].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "أقْسَمَ سبحانه بنفسهِ أنهم لا يؤمنون حتى يحكِّموه في الخصومات التي بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم ضيقاً من حكمه، بل يُسلِّموا لحكمه ظاهراً وباطناً، وقال قبل ذلك: (أَلَم تَرَ إلى الَّذِين يَزْعُمُونَ أَنَّهُم ءَامَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قبْلِكَ يُريدُونَ أَنْ يَتَحَاكََمُوا إلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أنْ يَكْفُرُوا بِهِ ويُرِيدُ الشَّيْطَانُ أنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً* وَإذَا قِيلَ لَهُمُ تَعَالَوْا إلى مَا أَنزلَ اللهُ وإلَى الرَسُولِ رَأَيتَ المنافقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً) [النساء 60-61]فبيّن سبحانه أن مَن دُعي إلى التحاكم إلى كتاب الله وإلى رسوله فصدَّ عن رسوله كان منافقاً، وقال سبحانه: (وَيقُولُونَ آمنَّا باللهِ وَبالرَّسُولِ وأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ باِلمؤمِنَينَ* وَإِذَا دُعُوا إلى اللهِ ورسُولهِ لِيحكُمَ بَينهُمْ إذا فَرِيقٌ مِّنْهمْ مُّعْرِضونَ* وَإنْ يَكُنْ لَهُمُ الحَقُّ يَأَتُوا إليهِ مُذْعِنِينَ* أَفِي قُلُوبهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَليهمْ ورسُولهُ بَلْ أُوْلَئكَ هُمُ الظَالِمُونَ* إنّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤمِنينَ إذا دُعُوا إلى اللهِ وَرَسُولهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعنا وأطعْنَا) [النور 47-51]فبين سبحانه أن من تولى عن طاعة الرسول وأعرض عن حكمه فهو من المنافقين، وليس بمؤمن، وأن المؤمن هو الذي يقول: سمعنا وأطعنا؛ فإذا كان النفاق يثبت ويزول الإيمان بمجرد الإعراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إلى غيره، مع إن هذا تركٌ محض، وقد يكون سببه قوة الشهوة، فكيف بالتنقص والسب ونحوه؟" .
5- قوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب 57-58].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ".. ودلالتها من وجوه:
أحدها: أنه قَرَن أذاه بأذاه كما قرن طاعته بطاعته، فمن آذاه فقد آذى الله تعالى، وقد جاء ذلك منصوصاً عنه، ومن آذى الله فهو كافر حَلالُ الدَّمِ، يبين ذلك أن الله تعالى جعل محبةَ اللهِ ورسوله وإرضاءَ اللهِ ورسوله وطاعة الله ورسوله شيئاً واحداً فقال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وأبْنَاؤكُمْ وإخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيْرَتُكمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَونَ كسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أحَبَّ إلَيكم مِنَ اللهِ وَرَسُولهِ) [التوبة: 24]وقال: (وَأَطِيعُوا الله والرَّسُول) [آل عمران: 132] في مواضع متعددة... وجعل شقاق الله ورسوله ومحادَّةَ الله ورسوله وأذى الله ورسوله ومعصيةَ الله ورسوله شيئاً واحداً، فقال: (ذَلِكَ بأنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرسُولَهُ) [الأنفال: 13]، وقال: (إنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسولَه) [المجادلة 20]، وقال تعالى: (ألَمْ يَعْلمُوا أنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللهَ وَرَسولَهُ) [التوبة: 63]، وقال: (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسولَهُ) [النساء: 14]الآية.
وفي هذا وغيرِه بيانٌ لتلازم الحقين، وأن جهةَ حرمة الله ورسوله جهة واحدة؛ فمن آذى الرسول فقد آذى الله، ومن أطاعه فقد أطاع الله؛ لأن الأمة لا يَصِلون ما بينهم وبين ربهم إلا بواسطة الرسول، ليس لأحدٍ منهم طريقٌ غيرُه ولا سبب سواه، وقد أقامه الله مُقَام نفسِهِ في أمره ونَهْيه وإخباره وبيانه، فلا يجوز أن يُفَرَّقَ بين الله ورسوله في شيء من هذه الأمور.
وثانيها: أنه فَرَّق بين أذى الله ورسوله وبين أذى المؤمنين والمؤمنات، فجعل هذا قد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً، وجعل على ذلك لعنته في الدنيا والآخرة، وأعَدَّ له العذابَ المُهين، ومعلومٌ أن أذى المؤمنين قد يكون من كبائر الإثم وفيه الجَلْد، وليس فوق ذلك إلا الكفر والقتل.
الثالث: أنه ذكر أنه لعنهم في الدنيا والآخرة وأعَدَّ لهم عذاباً مهيناً، واللَّعْنُ: الإبعاد عن الرَّحمة، ومَن طَرَده عن رحمته في الدنيا والآخرة لا يكون إلاَّ كافراً، فإن المؤمن يقرب إليها بعضَ الأوقاتِ، ولا يكون مباحَ الدَّمِ؛ لأن حقْنَ الدم رحمةٌ عظيمة من الله؛ فلا يثبت في حقه" .
6- قوله سبحانه: (لاَ تَرْفَعُوا أصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْت النَّبِيّ وَ لاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أنْ تَحْبَطَ أعْمَالُكُمْ وَأنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ) [الحجرات:2]
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" عند تفسيره لهذه الآية: ".. ليس الغرض برفع الصوت ولا الجهر ما يقصد به الاستخفاف والاستهانة لأن ذلك كفر والمخاطبون مؤمنون وإنما الغرض صوت هو في نفسه والمسموع من جرسه غير مناسب لما يهاب به العظماء ويوقر الكبراء فيتكلف الغض منه ورده إلى حد يميل به إلى ما يستبين فيه المأمور به من التعزيز والتوقير " .
قال شيخ الإسلام: "وَجْهُ الدلالة أن الله سبحانه نهاهم عن رفع أصواتهم فوق صوته، وعن الجهر له كجهر بعضهم لبعض؛ لأن هذا الرفع والجهر قد يُفْضي إلى حُبُوط العمل وصاحبه لا يشعر؛ فإنه عَلَّلَ نَهْيَهم عن الجهر وتركهم له بطلب سلامة العمل عن الحبوط، وبيّن أن فيه من المفسدة جواز حبوط العمل وانعقاد سبب ذلك، وما قد يُفْضي إلى حبوط العمل يجب تركه غَايَةَ الوجوب، والعمل يَحْبُطُ بالكفر، قاله سبحانه: (ومَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِيْنِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ) [البقرة 217]، وقال تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) [المائدة 5]... وهذا ظاهر، ولا يحبط الأعمال غير الكفر ...
فإذا ثبت أن رفع الصوت فوق صوت النبي والجهر له بالقول يُخاف منه أن يكفر صاحبه وهو لا يشعر ويحبط عمله بذلك، وأنه مظنة لذلك وسببٌ فيه؛ فمن المعلوم أن ذلك لما ينبغي له من التعزير والتوقير والتشريف والتعظيم والإكرام والإجلال، وأن رفع الصوت قد يشتمل على أذى له، أو استخفافٍ به، وإن لم يقصد الرافع ذلك.
فإذا كان الأذى والاستخفافُ الذي يحصل في سوء الأدب من غير قَصْدِ صاحبِهِ يكون كفراً؛ فالأذى والاستخفافُ المقصودُ المتعمَّدُ كفر بطريق الأولى.." .
وقال الإمام الشنقيطي في "أضواء البيان": "اعلم أن عدم احترام النبي صلى الله عليه وسلم المشعر بالغض منه أو تنقيصه صلى الله عليه وسلم والاستخفاف به أو الاستهزاء به ردة عن الإسلام وكفر بالله.
وقد قال تعالى في الذين استهزءوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وسخروا منه في غزوة تبوك لما ضلت راحلته: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أبالله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [ التوبة : 65 - 66 ]" .
وقال الآلوسي في روح المعاني: ".. والقاعدة المختارة أن إيذاءه عليه الصلاة والسلام يبلغ مبلغ الكفر المحبط للعمل باتفاق فورد النهي عما هو مظنة لأذى النبي صلى الله عليه وسلم سواء وجد هذا المعنى أو لا حماية للذريعة وحسما للمادة، ثم لما كان هذا المنهى عنه منقسماً إلى ما يبلغ مبلغ الكفر وهو المؤذى له عليه الصلاة والسلام وإلى ما لا يبلغ ذلك المبلغ ولا دليل يميز أحد القسمين عن الآخر لزم المكلف أن يكف عن ذلك مطلقاً خوف أن يقع فيما هو محبط للعمل وهو البالغ حد الأذى إذ لا دليل ظاهر يميزه".
7- ومن السنة ما رواه أبو داود في سننه عن أَبِي بَرْزَةَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَغَيَّظَ عَلَى رَجُلٍ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ فَقُلْتُ تَأْذَنُ لِي يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ قَالَ فَأَذْهَبَتْ كَلِمَتِي غَضَبَهُ فَقَامَ فَدَخَلَ فَأَرْسَلَ إِلَيَّ فَقَالَ مَا الَّذِي قُلْتَ آنِفًا قُلْتُ ائْذَنْ لِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ قَالَ أَكُنْتَ فَاعِلًا لَوْ أَمَرْتُكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَا وَاللَّهِ مَا كَانَتْ لِبَشَرٍ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا لَفْظُ يَزِيدَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَيْ لَمْ يَكُنْ لِأَبِي بَكْرٍ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا إِلَّا بِإِحْدَى الثَّلَاثِ الَّتِي قَالَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفْرٌ بَعْدَ إِيمَانٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرَ نَفْسٍ وَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْتُلَ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد استدل به على جواز قتل ساب النبي صلى الله عليه وسلم جماعات من العلماء، منهم أبو داود وإسماعيل بن إسحاق القاضي وأبو بكر عبد العزيز و القاضي أبو يعلي وغيرهم من العلماء، وذلك لأن أبا برزة لما رأى الرجل قد شتم أبا بكر وأغلظ له حتى تغيظ أبو بكر استأذنه في أن يقتله لذلك، وأخبره أنه لو أمره لَقَتَله، فقال أبو بكر: ليس هذا لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
فعُلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أن يقتل من سبه و من أغلظ له، وأن له أن يأمر بقتل مَنْ لا يعلم الناس منه سبباً يبيح دمه، وعلى الناس أن يطيعوه في ذلك؛ لأنه لا يأمر إلا بما أمر الله به، و لا يأمر بمعصية الله قط، بل من أطاعه فقد أطاع الله.
فقد تضمن الحديث خَصِيصَتَيْنِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
إحداهما: أنه يطاع في كل من أمر بقتله.
و الثانية: أنَّ له أن يَقْتُلَ من شتمه وأغلظ له.
و هذا المعنى الثاني الذي كان له باقٍ في حقه بعد موته؛ فكل من شتمه أو أغلظ في حقه كان قتله جائزاً، بل ذلك بعد موته أَوْكَدُ و أَوْكَد؛ لأن حُرْمَته بعد موته أكمل، و التساهل في عِرْضِه بعد موته غير ممكن، وهذا الحديث يفيد أن سبه في الجملة يبيح القتل، ويستدل بعمومه على قتل الكافر والمسلم" .
8- ومن أدلة السنة الصريحة قصة "ذو الخويصرة"، وقد رواها الإمامان البخاري ومسلم في صحيحهما عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ فَقَالَ وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقَالَ دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ وَهُوَ قِدْحُهُ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ ، وجاء في رواية أخرى عند الإمام مسلم: " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ".
ففي هذا الحديث لم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر بن الخطاب رضى الله عنه رغبته في قتل هذا المتطاول الآثم، بل إنه صلى الله عليه وسلم أشار في رواية مسلم إلى عزمه صلى الله عليه وسلم قتل هذا الرجل وصحبه، إلا إنه لم يمنع عمر رضى الله عنه من فعل ذلك إلا لمصلحة رآها صلى الله عليه وسلم وقتها وهي عدم تنفير الناس من الإسلام، وقد ترجم البخاري رحمه الله هذا الحديث بقوله "باب من ترك قتال الخوارج للتألف وأن لا ينفر الناس عنه"، يقول ابن حجر في "فتح الباري": ".. قوله (فإن له أصحابا) هذا ظاهره أن ترك الأمر بقتله بسبب أن له أصحابا بالصفة المذكورة، وهذا لا يقتضي ترك قتله مع ما أظهره من مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم بما واجهه، فيحتمل أن يكون لمصلحة التأليف كما فهمه البخاري لأنه وصفهم بالمبالغة في العبادة مع إظهار الإسلام، فلو أذن في قتلهم لكان ذلك تنفيرا عن دخول غيرهم في الإسلام، ويؤيده رواية أفلح ولها شواهد، ووقع في رواية أفلح "سيخرج أناس يقولون مثل قوله"" .
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى ترك قتال هذا المتطاول الآثم فذلك لمصلحة رآها تنازل عن حقه، غير أنه ليس لأحد من أمته أن يعفو عمن تطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأي مصلحة أعظم من مصلحة إعلاء شأن الدين وصون عرض النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، وقد روى القاضي عياض أن هارون الرشيد رفع للإمام مالك بن أنس رحمه الله أمر رجل سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفتي بعض الفقهاء بجلده، فغضب الإمام مالك، وقال: ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها ، فلا مصلحة أعلى من مصلحة إعلاء الدين، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية تعليقًا على قصة "ذو الخويصرة": "فثبت أن كل من لمز النبي صلى الله عليه وسلم في حكمه أو قسمه فإنه يجب قتله، كما أمر به صلى الله عليه وسلم في حياته، وبعد موته، وأنه إنما عفا عن ذلك اللامز في حياته، كما قد كان يعفو عمن يؤذيه من المنافقين لما علم أنهم خارجون في الأمة لا محالة، وأن ليس في قتل ذلك الرجل كثير فائدة، بل فيه من المفسدة ما في قتل سائر المنافقين وأشد" .

حكم الذمي أو المعاهد إذا تطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ناقشنا حكم المسلم المتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبينا أن تطاوله هذا دليل على كفره، وحده في الإسلام هو القتل، ونناقش الآن حكم الذمي أو المعاهد إذا تطاول على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
وقبل أن نناقش حكم هذا المتطاول الآثم لابد أن نسبق ذلك بتعريف الذمي والمعاهد والمستأمن ومعرفة صفاتهم .
الذمي أو أهل الذمة: هم الكفّار الّذين أقرّوا في دار الإسلام على كفرهم بالتزام الجزية ونفوذ أحكام الإسلام فيهم.
أما أهل العهد : فهم الّذين صالحهم إمام المسلمين على إنهاء الحرب مدّةً معلومةً لمصلحةٍ يراها، والمعاهد : من العهد : وهو الصّلح المؤقّت، ويسمّى الهدنة والمهادنة والمعاهدة والمسالمة والموادعة.
والمستأمن في الأصل : الطّالب للأمان، وهو الكافر الذي يدخل دار الإسلام بأمانٍ ، أو المسلم إذا دخل دار الكفّار بأمانٍ، والمقصود به في البحث الكافر الذي يدخل دار الإسلام بأمان.
هذا هو الذمي والمعاهد والمستأمن في الشرع الإسلامي، وقد صح لدى العلماء أن من كانت تلك صفته فتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن عهده ينتقض ويقتل، قال إسحاق بن رَاهُوْيَه: إن أظهروا سَبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسُمِعَ منهم ذلك أو تُحُقِّق عليهم قُتِلوا، وأخطأ هؤلاء الذين قالوا: "ما هم فيه من الشرك أعظم من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ونورد هنا الأدلة من الكتاب والسنة على ما ذهب إليه العلماء من قتل الذمي المتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأدلة على انتقاض عهد الذمي بالسب أو الطعن في الدين:
1- قولُه تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة: 29].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ".. فأمَرَنا بقتالهم إلا أن يُعْطُوا الجزيةَ وهم صاغرون، فلا يجوزُ الإمساكُ عن قتالهم إلا إذا كانوا صاغرين حالَ إعطائهم الجزيَةَ، ومعلومٌ أن إعطاء الجزيةِ من حين بَذْلها والتزامها إلى حين تسليمها وإقباضها، فإنهم إذا بذلوا الجزيةَ شَرَعُوا في الإعطاء، ووجب الكفُّ عنهم إلى أن يُقْبِضُونَاهَا فيتم الإعطاءُ؛ فمتى لم يلتزموها أو التزموها أولاً وامتنعوا من تسليمها ثانياً لم يكونوا معطيْنَ للجزية؛ لأن حقيقة الإعطاءِ لم توجد، وإذا كان الصَّغَارُ حالاًّ لهم في جميع المُدَّة فمن المعلوم أن من أظهَرَ سَبَّ نبينا في وجوهنا وشَتَمَ ربَّنَا على رؤوسِ المَلأ منَّا وطَعَنَ في ديننا في مجامِعنا فليس بصاغرٍ؛ لأنَّ الصَّاغِرَ الذليلُ الحقيرُ، وهذا فعلُ متعزِّزٍ مُرَاغِم، بل هذا غايةُ ما يكونُ من الإذلالِ له والإهانةِ" .
2- قوله تعالى: (وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا في دِيْنِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ) [التوبة:12].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ".. إذا كان الطعنُ يغلِّظُ قتالَ من ليس بيننا وبينه عهدٌ ويُوجبه فأن يوجبَ قتالَ من بيننا وبينه ذمةٌ وهو ملتزم للصَّغار أوْلى".
ويشير شيخ الإسلام إلى الفارق بين المعاهد والذمي مؤكدًا أن هذا الفرق بينهما لا يعنى السماح للمعاهد بالطعن في الدين أو التطاول على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، يقول ابن تيمية: "على أن المعاهَدَ له أن يُظْهر في داره ما شاء من أمر دينه الذي لا يؤذينا، والذميّ ليس له أن يظهر في دار الإسلام شيئاً من دينه الباطل وإن لم يُؤْذِنا، فحالُه أشدُّ، وأهل مكة الذين نزلت فيهم هذه الآية كانوا معاهَدِينَ لا أهْلَ ذمة، فلو فرض أن مجرد طعنهم ليس نَقْضاً للعهد لم يكن الذميّ كذلك".
ثم قال شيخ الإسلام: ".. أن الذّميَّ إذا سبَّ الرسول أو سب الله أو عاب الإسلام علانيةً فقد نكَث يمينه وطعن في ديننا؛ لأنه لا خلاف بين المسلمين أنه يُعاقب على ذلك ويُؤَدَّبُ عليه، فعلم أنه لم يُعاهد عليه؛ لأنا لو عاهدناه عليه ثم فَعَلَه لم تجز عقوبته عليه، وإذا كنا قد عاهدناه على أن لا يطعن في ديننا ثم طعن في ديننا فقد نكث في يمينهمن بعد عهده وطعن في دينِنا، فيجب قتله بنص الآية..".
ثم أشار شيخ الإسلام إلى أن الطاعن في الدين يندرج تحت زمرة "أئمة الكفر" الذين أمرنا الله بقتالهم وقتلهم، يقول شيخ الإسلام: ".. أنه سَمَّاهم أئمة الكفر لطعنهم في الدين ... وإمامُ الكفر هو الداعي إليه المُتَّبَعُ فيه، وإنما صار إماماً في الكفرِ لأجلِ الطعن، فإنَّ مجرَّد النكث لا يوجب ذلك، وهو مناسب؛ لأن الطاعن في الدين يعيبه ويذمه ويدعو إلى خلافه، وهذا شأن الإمام، فثبت أنَّ كلَّ طاعنٍ في الدين فهو إمامٌ في الكفر، فإذا طعن الذميٌّ في الدين فهو إمامٌ في الكفر، فيجب قتالُه لقوله تعالى: (فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ) ولا يمين له؛ لأنه عاهَدَنَا على أن لا يظهر عَيْبَ الدين هنا وخَالَفَ .. فثبت أنَّ كلَّ مَن طعن في ديننا بعد أن عاهَدْناه عهداً يقتضي أنْ لا يفعل ذلك فهو إمامٌ في الكفر لا يَمِينَ له، فيجب قتله بنصِّ الآيةِ، وبهذا يظهر الفرقُ بينه وبين الناكِثِ الذي ليس بإمامٍ، وهو مَن خالف بفعل شيءٍ مما صولحوا عليه من غير الطعن في الدِّينِ" .
3- قوله تعالى: (ألاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُم وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءوكُمْ أَوَّلَ مَرّةٍ) [التوبة:13].
يقول شيخ الإسلام: "فجعل هَمّهم بإخراجِ الرسولِ من المحضِّضَات على قتالهم، وما ذاك إلا لما فيه من الأذَى، وسَبُّه أغلظ من الهم بإخراجه، بدليل أنه صلى الله عليه وسلم عَفَا عَامَ الفَتْحِ عن الذين هَمُّوا بإخْرَاجِهِ، ولم يَعْفُ عمن سَبَّه؛ فالذمِّي إذا أظهر سَبَّه فقد نَكَث عهده، وفَعَل ما هو أعظم من الهمِّ بإخراج الرسولِ، وبَدَأ بالأذى؛ فيجبُ قتالُه" .
أما من السنة فقد وردت أحاديث كثيرة في هذا الشأن تدل على انتقاض عهد الذمي والمعاهد بالطعن في الدين والتطاول على الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم:
1- ما روى أن يهودية كانت تشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إليها رجل أعمى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلها، روى أبو داود والنسائي في سننهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أعْمَى كانت له أمُّ ولدٍ تَشْتُمُ النبي صلى الله عليه وسلم وتَقَعُ فيه؛ فَيَنْهَاها فلا تَنْتَهِي، و يزجرها فلا تنزجر فلما كان ذات ليلة جَعَلَت تقعُ في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه؛ فأخَذَ المِغْول فوضَعَه في بطنها واتَّكَأَ عليها فقتلها، فلما أصْبَحَ ذُكِرَ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فجمع الناسَ فقال: "أنْشدُ الله رَجُلاً فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌ إِلاَّ قَامَ"، فقام الأعْمَى يتخطَّى الناسَ وهو يتدلدل، حتى قَعَدَ بين يَدَي النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أنا صَاحِبُهَا، كانت تشتمك و تَقَعُ فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجُرُها فلا تَنزَجر، ولي منها ابْنَانِ مِثْلُ اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقعُ فيك، فأخذت المِغْول فوضعته في بطنها واتَّكَأْتُ عليه حتى قتلتُهَا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا اشْهَدُوا أنَّ دَمَهَا هَدَرٌ" .
يقول الخطابي: " فيه بيان أن ساب النبي صلى الله عليه وسلم مهدر الدم، وذلك أن السب منها لرسول الله صلى الله عليه وسلم إرتداد عن الدين، ولا أعلم أحداً من المسلمين اختلف في وجوب قتله" .
وقال صاحب عون المعبود: " .. وفيه دليل على أن الذمي إذا لم يكف لسانه عن الله ورسوله فلا ذمة له فيحل قتله ، قاله السندي .
قال المنذري : وأخرجه النسائي فيه أن ساب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل وقد قيل إنه لا خلاف في أن سابه من المسلمين يجب قتله وإنما الخلاف إذا كان ذميا، فقال الشافعي يقتل وتبرأ منه الذمة، وقال أبو حنيفة لا يقتل ما هم عليه من الشرك أعظم، وقال مالك من شتم النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى قتل إلا أن يُسلم ..".
وروى أبو داود بسنده عن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهَا .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:" .. هذا الحديث نَصٌّ في جواز قتلها لأجل شتم النبي صلى الله عليه وسلم، ودليل على قتل الرجل الذمي وقتل المسلم و المسلمة إذا سبَّا بطريق الأَولى؛ لأن هذه المرأة كانت مُوادعة مُهادِنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وَادَعَ جميع اليهود الذين كانوا بها مُوَادَعة مطلقة، ولم يضرب عليهم جِزْيَةً، وهذا مشهور عند أهل العلم بمنزلة المتواتر بينهم" .
وقال شيخ الإسلام: " .. إن نشدان النبي صلى الله عليه وسلم الناسَ في أمرها ثم إبطال دَمِهَا دليلٌ على أنها كانت مَعْصُومَة، وأن دَمَهَا كان قد انعقد سببُ ضمانِه، وكان مضموناً لو لم يُبْطِلْه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها لو كانت حَرْبِيِّة لم ينشد الناسَ فيها، ولم يَحْتَج أن يُبْطل دمها و يُهْدِره؛ لأن الإبطال والإهدار لا يكون إلا لدمٍ قد انعقد له سبب الضمان .. والمسلمون يعلمون أن دَمَ الحربيةِ غيرُ مضمونٍ، بل هو هَدْر، لم يكن لإبطاله وإهداره وجه .. فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عاهد المعاهدين اليهودَ عهداً بغير ضرب جزية عليهم، ثم إنه أهدر دَمَ يهوديةٍ منهم لأجل سَبِّ النبي صلى الله عليه وسلم فَأَنَّه يُهْدِرَ دَمَ يهودية من اليهود الذين ضُرِبَت عليهمُ الجزيةُ وأُلزموا أحكام الملة لأجل ذلك أَوْلَى وأَحْرَى" ، وقال في موضع آخر: ".. فلو لم يكن قَتْلُهَا جائزاً لبيّن النبي صلى الله عليه وسلم له أن قتلها كان محرماً، وأن دمها كان معصوماً، و لأوْجَبَ عليه الكفَّارَةَ بقتل المعصوم والدِّيَةَ إن لم تكن مملوكة له، فلما قال: "اشْهَدُوا أنَّ دَمَهَا هَدَر" عُلم أنه كان مباحاً مع كونها كانت ذمية، فعُلم أن السبَّ أباح دَمَهَا، لا سيما والنبيُّ صلى الله عليه وسلم إنما أهْدَرَ دَمَهَا عقب إخباره بأنها قتلت لأجل السبِّ، فعُلم أنه الموجِبُ لذلك، والقصة ظاهرة الدلالة في ذلك" .
الدليل الثاني من أدلة السنة: قصة مقتل "كعب بن الأشرف" اليهودي، وقد أوردنا هذه القصة بتفصيلها في فصل "نصرة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم على يد أتباعه"، وننقل هنا أقوال الأئمة وتعليق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على هذه القصة لما فيها من فوائد واستدلالات عظيمة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والاستدلالُ بقتل كعب بن الأشرف من وجهين:
أحدهما: أنه كان مُعَاهداً مُهَادناً، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم بالمغازي والسير، وهو عندهم من العلم العام الذي يُستغنى فيه عن نقل الخاصة ... ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم جعله ناقضاً للعهد بهجائه وأذاه بلسانه خاصة، والدليل على أنه إنما نقض العهدَ بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن لِكَعْبِ بِنِ الأشْرِفِ فإنهُ قَدْ آذَى الله ورَسُولَهُ؟"، فعلَّل نَدْبَ الناسِ له بأذاه، والأذى المُطْلَقُ هو باللسان كما قال سبحانه: )و لَتَسْمَعَنَّ مِنَ الّذِينَ أُوْتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا أذىً كثيراً(، وقال: )لَنْ يَضُرُوْكُمْ إلاَّ أذىً(، و قال: )وَمِنْهُمْ الّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ويَقُولُونَ هُوَ أذُنٌ( ..
وأيضاً، فإنه جعل مطلق أذى الله ورسوله مُوجِباً لقتل رجل معاهد، و معلوم أن سَبَّ الله ورسوله أذَى لله ولرسوله، وإذا رُتِّب الوَصْفُ على الحكم بحرف الفاء دل على أن الوصف علة لذلك الحكم، لا سيما إذا كان مُنَاسباً، وذلك يدل على أن أذَى الله ورسوله عِلة لنَدْب المسلمين إلى قتل مَن يفعل ذلك من المعاهَدِين، وهذا دليل ظاهر على انتقاض عهده بأذى الله ورسوله، والسبُّ من أذى الله ورسولهِ باتفاق المسلمين، بل هو أخص أنواع الأذى ...
الوجه الثاني من الاستدلال به: أن النَّفَرَ الخمسة الذين قَتَلوه من المسلمين: محمد بن مَسْلمة، وأبا نائلة، وعباد بن بشر، و الحارث بن أوس، وأبا عبس بن جبر، قد أذِنَ لهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يغتالوه ويخدعوه بكلام يُظْهرُون به أنهم قد آمنوا ووافقوه، ثم يقتلوه، ومن المعلوم أن من أظهر لكافر أماناً لم يجز قتله بعد ذلك لأَجل الكفر، بل لو اعتقد الكافر الحربي أن المسلم آمَنَه وكلمه على ذلك صار مستأمناً، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رَواه عنه عمرو بن الحَمِق: "مَن آمنَ رَجُلاً عَلَى دَمِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ فَأَنَا مِنْهُ بَرِئ وَإِنَ كَانَ المَقْتُولُ كَافِراً" رواه الإمام أحمد و ابن ماجه .. وهذا الكلام الذي كلموه به صار مستأمناً، وأدنى أحواله أن يكون له شبهة أمان، ومثل ذلك لا يجوز قتله بمجرد الكفر؛ فإن الأمان يعصم دم الحربي ويصير مستأمناً بأقل من هذا كما هو معروف في مواضعه، وإنما قتلوه لأجل هجائه وأذاه للهِ ورسوله، ومن حَلَّ قتله بهذا الوجه لم يعصم دمه بأمانٍ و لا بعهد كما لو آمن المسلم مَن وجب قتله لأجل قطع الطريق و محاربة الله ورسوله والسعي في الأرض بالفساد الموجب للقتل، أو آمن من وجب قتله لأجل زِناه، أو آمن مَن وجب قتله لأجل الردة أو لأجل ترك أركان الإسلام ونحو ذلك، و لا يجوز أن يَعقِدَ له عقد عهد، سواء كان عقد أمان أو عقد هدنة أو عقد ذمة؛ لأن قتله حد من الحدود، وليس قتله لمجرد كونه كافراً حربياً، وأما الإغارة والبيات فليس هناك قول أو فعل صاروا به آمنين، و لا اعتقدوا أنهم قد أومنوا، بخلاف قصة كعب بن الأشرف؛ فثبت أن أذى الله ورسوله بالهجاء ونحوه لا يُحْقنَ معه الدم بالأمان، فَلأَنَ لا يُحْقَنَ معه بالذمة المؤَبَّدة و الهدنة المؤقتة بطريق الأَولى، فإن الأمان يجوز عقده لكل كافر، ويعقده كل مسلم، ولا يشترط على المستأمَن شيء من الشروط، والذمة لا يعقدها إلا الإمام أو نائبه، ولا تعقد إلا بشروط كثيرة تشترط على أهل الذمة: من التزام الصَّغَار ونحوه" .
الدليل الثالث من السنة: قصة عمير بن عدي رضى الله عنه في قتل الخطمية التي كانت تهجو النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أوردنا هذه القصة كذلك في باب "نصرة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم على يد أتباعه"، غير أننا ننقل هنا تعليق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على هذه القصة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وذلك يفيد أن السب موجب للقتل لوجوه:
أحدها: أنه لو لم يكن موجباً للقتل لما جاز قتل المرأة، وإن كانت حربية، لأن الحربية إذا لم تقاتل بيدٍ ولا لسان لم يجز قتلها إلا بجناية موجبة للقتل، وهذا ما أحسب فيه مخالفاً، لا سيما عند من يرى قتالها بمنزلة قتال الصائل.
الثاني: أن هذه السابة كانت من المعاهدين بل ممن هو أحسن حالاً من المعاهدين في ذلك الوقت؛ فلو لم يكن السب موجباً لدمها لما قتلت، أو لما جاز قتلها، ولهذا خاف الذي قتلها أن تتولد فتنة حتى قال النبي e: "لا يَنْتَطِحُ فيها عَنْزَانِ" مع أن انتطاحهما إنما هو كالتشام، فبين e أنه لا يتحرك لذلك قليل من الفتن ولا كثير، رحمة من الله بالمؤمنين، ونصراً لرسوله و دينه، فلو لم يكن هناك ما يحذر معه من قتل هذه لولا الهجاء لما خِيفَ هذا.
الثالث: أن الحديث مصرح بأنها إنما قتلت لأجل ما ذكرته من الهجاء، و أن سائر قومها تُركوا إذ لم يهجوا، أو أنهم لو هجوا لفُعِل بهم كما فعل بها؛ فظهر بذلك أن الهجاء موجب بنفسه للقتل، سواء كان الهاجي حربياً أو مسلماً أو معاهداً، حتى يجوز أن يقتل لأجله مَن لا يقتله بدونه، وإن كان الحربي المقاتل يجوز قتله من وجه آخر، وذلك في المسلم ظاهر، وأما في المعاهد فلأن الهجاء إذا أباح دم المرأة فهو كالقتال أو أسوأ حالاً من القتال" .
ونكتفي بهذا القدر من أدلة القرآن والسنة خشية الإطالة، ومن أراد الاستزادة فعليه بالكتاب الماتع "الصارم المسلول على شاتم الرسول" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقد حوى من الدرر الكثير.
موقف الصحابة الكرام من ساب النبي العدنان:
ومما يستدل به على حكم ساب النبي صلى الله عليه وسلم، هو موقف الصحابة رضوان الله عليهم من هذا المتطاول الآثم، فالصحابة هم أعلم الأمة وأقربهم اتباعًا واقتداءً بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فكان أصحابه إذا سمعوا من يَسُبُّه ويؤذيه صلى الله عليه وسلم قتلوه، وإن كان قريباً، فيقرهم على ذلك و يرضاه، وربما سمى مَن فعل ذلك ناصراً لله ورسوله.
روى البيهقي في سننه عن إسماعيل بن سُميع عن مالك بن عمير قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لقيت أبي في المشركين، فسمعت منه مقالة قبيحة لك، فما صبرت أن طعنته بالرمح فقتلته، فما شقَّ ذلك عليه، قال: وجاء آخر فقال: إني لقيتُ أبي في المشركين فصَفَحْتُ عنه، فما شَقَّ ذلك عليه .
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشًا فيهم عبدالله بن رواحة وجابر، فلما صافوا المشركين أقبل رجلٌ منهم يسب رسول الله فقام رجل من المسلمين فقال: أنا فلان بن فُلان، وأمي فلانة، فَسُبَّني وسُبَّ أمي، وكُفَّ عن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزده ذلك إلا إغْرَاء، فأعاد مثل ذلك، وعاد الرجل مثل ذلك، فقال في الثالثة: لَئنْ عُدت لأرْحَلَنَّك بسيفي، فعاد، فحمل عليه الرجل، فولّى مُدبراً، فاتَّبعه الرجل حتى خرق صفوف المشركين، فضربه بسيفه، وأحاط به المشركون فقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَعَجِبْتُمْ مِنْ رَجُلٍ نَصَرَ اللهَ وَرَسُولَه؟" ثم إن الرجل برئ من جراحه، فأسلم، فكان يسمى الرحيل .
ومن الأخبار في هذا الشأن ما ذكره سيف بن عمر التميمي في كتاب "الردة والفتوح" عن شيوخه، قال: ورفع إلى المهاجر ـ يعني المهاجر بن أبي أمية، وكان أميراً على اليمامة ونواحيها ـ امرأتان مغنيتان غَنَّت إحداهما بشَتْم النبي صلى الله عليه وسلم، فَقَطع يدها، ونَزَع ثَنيتها، وغنت الأخرى بهجاء المسلمين فقطع يَدَها، ونزع ثنيتها، فكتب أبو بكر: بَلَغني الذي سرت به في المرأة التي تغنَّت وزمرت بشتم النبي صلى الله عليه وسلم، فلولا ما قد سبقتني فيها لأمرتك بِقَتْلِهَا؛ لأن حدَّ الأنبياء ليس يشبه الحدود؛ فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتدٌّ أو معاهدٍ فهو محارب غادر .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا يوافق ما تقدم عنه أن مَن شَتم النبي صلى الله عليه وسلم كان له أن يقتله، وليس ذلك لأحد بعده، وهو صريح في وجوب قَتْل من سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم ومعاهد وإن كان امرأة، وأنه يُقْتَل بدون استتابة، بخلاف من سبَّ الناس، وأن قتله حد للأنبياء كما أن جلدَ من سَب غيرهم حدٌّ له، وإنما لم يأمر أبو بكر بقَتْل تلك المرأة لأن المهاجِرَ سبق منه فيها حدٌّ باجتهاده، فكَرِهَ أبو بكر أن يجمع عليها حَدَّيْن، مع أنه لعلها أسلمت أو تابت فقبل المهاجر توبتها قبل كتاب أبي بكر، وهو محل اجتهاد سبق منه فيه حكم فلم يغيره أبو بكر؛ لأن الاجتهاد لا يُنقض بالاجتهاد، وكلامه يدلُّ على أنه إنما منعه من قتلها ما سبق من المهاجر" .
وروى حَرْبٌ في مسائله عن مجاهد قال: أُتي عُمَرُ رضي الله عنه برَجُل سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم، فقتله، ثم قال عمر رضي الله عنه : مَنْ سَبَّ الله أو سب أحداً من الأنبياء فاقتلوه، ثم قال مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أيما مسلم سب الله ورسوله أو سب أحداً من الأنبياء فقد كَذَّبَ برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي رِدَّةٌ، يُسْتتاب فإنْ رَجَع وإلا قُتِلَ، وأيما معاهدٍ عاند فسب الله أو سبّ أحداً من الأنبياء أو جهر به فقد نَقَضَ العهد فاقتلوه .
وذكر الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه مر به راهب فقيل له هذا يسب النبي صلى الله عليه وسلم فقال ابن عمر رضي الله عنه لو سمعته لقتلته إنا لم نعطهم الذمة على أن يسبوا نبينا والآثار عن الصحابة بذلك كثيرة وحكى غير واحد من الأئمة الإجماع على قتله .
ومما ورد في ذلك ما روى عن الصحابي الجليل غَرَفة بن الحارث الكِنْدي وكان قد سكن مصر، فمر به نصرانيًا فدعاه إلى الإسلام فسب النصراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه غرفة بن الحارث فقتله، فرفع ذلك إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه، فقال له: إنا قد أعطيناهم العهد، فقال له غرفة: معاذ الله أن نعطيهم العهد على أن يُظْهرُوا شتم النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أعطيناهم العهد على أن نُخَلِّي بينهم وبين كنائسهم يعملون فيها ما بدا لهم، وأن لا نحملهم على ما لا يطيقون، وإن أرادهم عدو قَاتَلنا دونهم، وعلى أن نخلي بينهم وبين أحكامهم إلا أن يأتونا راضين بأحكامنا فنحكم فيهم بحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن غيبوا عنا لم نعرِض لهم، فقال عمرو: صدقت .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فقد اتفق عمرو وغَرفة بن الحارث على أن العهد الذي بيننا وبينهم لا يقتضي إقرارهم على إظهار شتم الرسول صلى الله عليه وسلم، كما اقتضى إقرارهم على ما هم عليه من الكفر والتكذيب فمتى أظهروا شتمه صلى الله عليه وسلم فقد فعلوا ما يبيح الدم، من غير عهد عليه فيجوز قتلهم، وهذا كقول ابن عمر في الراهب الذي شتم النبي صلى الله عليه وسلم: "لو سمعته لقتلته، فإنا لم نعطهم العهد على أن يسبُّوا نبينا" .
أقوال العلماء:
قال الإمام أحمد:"من شتم النبي صلى الله عليه وسلم، أو تنقصه مسلماً كان أو كافراً فعليه القتل" .
وقال أبو يوسف – صاحب أبي حنيفة- : "وأيما مسلم سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كذبه، أو عابه، أو تنقصه فقد كفر بالله، وبانت منه امرأته" .
وقد نقل القاضي عياض بعض أقوال المالكية فكان مما نقله: " قال ابن القاسم عن مالك في كتاب ابن سحنون، والمبسوط، والعتبية وحكاه مطرف عن مالك في كتاب ابن حبيب: من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين قتل ولم يستتب.
وقال عبد الله بن الحكم: من سب النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر قتل ولم يستتب.
وقال ابن عتاب:- الكتاب والسنة موجبان أن من قصد النبي صلى الله عليه وسلم بأذى أو نقص، معرضاً أو مصرحاً، وإن قل، فقتله واجب" .
وقال النووي: " من قال لا أدري أكان النبي صلى الله عليه وسلم إنسياً أو جنياً، أو قال إنه جن، أو صغر عضواً من أعضائه على الطريق الإهانة كفر" .
وقال القاضي أبو يعلى في المعتمد: " من سب الله أو رسوله فإنه يكفر سواء استحل سبه، أو لم يستحله" .
وقال ابن حزم: " ومن أوجب شيئاً من النكال على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو وصفه، وقطع عليه بالفسق، أو بجرحه في شهادته فهو كافر مشرك مرتد كاليهود والنصارى حلال الدم والمال، بلا خلاف من أحد من المسلمين" .
ويقول السبكي: " أما سب النبي صلـى الله عليه وسلم فالإجماع منعقد على أنه كفر، والاستهزاء به كفر" .

ساب النبي صلى الله عليه وسلم لا يستتاب، ولا يسقط عنه الحد:
من المسائل المهمة التي ناقشها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول؛ هي هل تقبل توبة ساب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسقط عنه الحد بتوبته تلك أو إسلامه، ومما رجحه شيخ الإسلام أن ساب النبي صلى الله عليه وسلم لا يسقط عنه الحد بتوبته، وإن كانت توبته تنفعه في الآخرة، والأدلة في هذه المسألة ترجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله، وهو مذهب جماعة من أهل العلم ذكرهم شيخ الإسلام رحمه الله.
قصة ابن أبي سرح وابن خطل:
من الأدلة الجلية على أن توبة ساب النبي صلى الله عليه وسلم لا تسقط عنه الحد قصة عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وقصة عبد الله بن خطل، والقصتان وقعتا عند فتح مكة؛ روى أبو داود في سننه عن مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَسَمَّاهُمْ وَابْنُ أَبِي سَرْحٍ؛ قَالَ: وَأَمَّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ فَقَالُوا مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ أَلَا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ قَالَ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ" .
أما جريمة ابن أبي سرح، فقد كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحى فأزله الشيطان فارتد وزعم للمشركين أنه كان يزيد ما يشاء فيما يمليه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه يوم فتح مكة.
وفي قصة عبد الله بن سعد بن أبي سرح دلالة واضحة على أن ساب النبي صلى الله عليه وسلم لا تسقط توبته حد القتل عنه، وإن عفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن أبي سرح فإن العفو لا يملكه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ويتضح من هذه القصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن راغبًا في العفو عن ابن أبي سرح، بل إنه وبغ الصحابة لأنه لم يقم منهم أحد بقتل ابن أبي سرح وقد أعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه أكثر من مرة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وفي ذلك دليل على أن جرم الطاعن على الرسول صلى الله عليه وسلم الساب له أعظم من جرم المرتد.
ثم إن إباحة النبي صلى الله عليه وسلم دمه بعد مجيئه تائباً مسلماً وقوله: "هَلاَّ قَتَلْتُمُوه" ثم عَفْوه عنه بعد ذلك دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أن يقتله وأن يعفو عنه ويعصم دمه، وهو دليل على أن له صلى الله عليه وسلم أن يقتل من سبه وإن تاب وعاد إلى الإسلام.
يوضح ذلك أشياء :
منها: أنه قد روي عن عكرمة أن ابن أبي سرح رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة، وكذلك ذكر آخرون أن ابن أبي سرح رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة إذ نزل النبي صلى الله عليه وسلم بها، وقد روى أنه قال لعثمان قبل أن يقدم به على النبي صلى الله عليه وسلم: "إن جرمي اعظم الجرم، وقد جئت تائباً"، وتوبة المرتد إسلامه.
ثم إنَّه جاء إلى النبي e بعد الفتح وهدوء الناس، وبعد ما تاب، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين أن يقتلوه حينئذٍ، وتربص زماناً ينتظر فيه قتله، ويظن أن بعضهم سيقتله، وهذا أوضح دليل على جواز قتله بعد إسلامه.
وكذلك لما قال له عثمان: إنه يفر منك كلما رآك، قال: "ألَمْ أُبَايِعْهُ و أُومِنْهُ؟" قال: بلى، ولكنه يتذكر عظيم جرمه في الإسلام، فقال: "الإِسْلاَمُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ" فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن خوف القتل سقط بالبيعة والأمان، وأن الإثم زال بالإسلام؛ فعلم أن الساب إذا عاد إلى الإسلام جبّ الإسلام إثم السب، وبقي قتله جائزاً حتى يوجد إسقاط القتل ممن يملكه إن كان ممكناً" .
وقال في موضع آخر: ".. فإن عبدالله بن سعد بن أبي سرح لما طعن عليه وافترى افتراءً عابه به بعد أن أسلم أهدر دمه وامتنع عن مبايعته .. وكان قد جاءه مسلماً تائباً قد أسلم قبل أن يجيء إليه كما رويناه عن غير واحدٍ، وقد جاء يريد الإسلام، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد جاء يريد الإسلام ثم كفَّ عنه انتظار أن يقوم إليه رجلٌ فيقتله.
وهذا نصٌّ أن مثل هذا المرتد الطاعن لا يجب قبول توبته بل يجوز قتله وإن جاء تائباً وإن تاب، .. وأن الذي عصم دمه عفو رسول الله ص عنه لا مجرد إسلامه وأن بالإسلام والتوبة امتحى الإثم، وبعفوِ النبي صلى الله عليه وسلم احتقن الدم، والعفو بطل بموته صلى الله عليه وسلم إذ ليس للأمة أن يعفوا عن حقه، وامتناعه من بيعته حتى يقوم إليه بعض القوم فيقتله نصٌ في جواز قتله وإن جاء تائباً.
وأما عصمة دمه بعد ذلك فليس دليلاً لنا على أن نعصم دم من سب وتاب بعد أن قدرنا عليه، لأنا قد بيّنا من غير وجهٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعفو عمن سبه ممن لا خلاف بين الأمة في وجوب قتله إذا فعل ذلك، وتعذر عفو النبي صلى الله عليه وسلم".
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل ابن خطل:
روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتُلُوهُ .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكان "جرمه أن النبي صلى الله عليه وسلماستعمله على الصدقة، وأصحبه رجلاً يخدمه، فغضب على رفيقه لكونه لم يصنع له طعاماً أمره بصنعه، فقتله، فخاف ثَمَّ أن يُقتل، فارتد و استاق إبل الصدقة، وأنه كان يقول الشعر يهجو به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأمر جاريتيه أن تغنيا به، فهذا له ثلاث جرائم مبيحة للدم: قتل النفس، والردة، و الهجاء.
فمن احتج بقصته يقول: لم يُقتل لقتل النفس؛ لأن أكثر ما يجب على من قتل ثم ارتد أن يقتل قوداً، والمقتول من خزاعة له أولياء، فكان حكمه لو قتل قوداً أن يُسَلّم إلى أولياء المقتول، فإما أن يقتلوا أو يعفوا أو يأخذوا الدية، ولم يقتل لمجرد الردة؛ لأن المرتد يستتاب، و إذا اسْتَنْظَرَ أُنْظِرَ، وهذا ابن خطل قد فرَّ إلى البيت، عائذاً به، طالباً للأمان، تاركاً للقتال، ملقياً للسلاح، حتى يُنْظَر في أمره، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد علمه بذلك كله أن يُقتل، وليس هذا سنة من يقتل لمجرد الردة، فثبت أن هذا التغليظ في قتله إنما كان لأجل السب والهجاء، وأن الساب وإن ارتد، فليس بمنزلة المرتد المحض يقتل قبل الاستتابة، ولا يؤخر قتله، وذلك دليل على جواز قتله بعد التوبة.
وقد استدل بقصة ابن خطل طائفةٌ من الفقهاء على أن من سب النبي e من المسلمين يقتل وإن أسلم حداً.
واعترض عليهم بأن ابن خطل كان حربياً فقتل لذلك.
وجوابه: أنه كان مرتداً بلا خلاف بين أهل العلم بالسير، وحتم قتله بدون استتابة مع كونه مستسلماً منقاداً قد ألقى السَّلَم كالأسير، فعلم أن من ارتد وسب يقتل بلا استتابة، بخلاف من ارتد فقط.
يؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم أَمَّن عام الفتح جميع المحاربين إلا ذوي جرائم مخصوصة، وكان ممن أهدر دمه دون غيره، فعلم أنه لم يقتل لمجرد الكفر والحراب" .
لماذا يقتل التائب عن سب النبي صلى الله عليه وسلم؟:
قد يخطر ببال الكثيرين هذا السؤال، لماذا يقتل ساب النبي صلى الله عليه وسلم وإن تاب، وهل لا تنفعه توبته تلك؟، وقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذا السؤال في كتابه الماتع "الصارم المسلول"، فقال: "ثم الجاني إن تاب توبةً نصوحاً فذلك نافعه فيما بينه وبينَ الله، يغفر له ما أسلف، ويكون الحدُّ تطهيراً له وتكفيراً لسيئته، وهو من تمام التوبة، كما قال ماعز بن مالك للنبي صلى الله عليه وسلم: "طَهِّرْنِي" وقد جاء تائباً، وقال تعالى لما ذكر كفارة قتل الخطأ: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيْماً حَكِيماً)، وقال تعالى في كفارةِ الظهارِ: (ذَلِكُمْ تُوْعَظُوْنَ بِهِ).
فيشتمل الحد مع التوبة على مصلحتين عظيمتين:
مصلحة زجر النفوس عن مثل تلك الجريمة، وهي أهم المصلحتين، فإن الدنيا في الحقيقة ليست دار كمال الجزاء، وإنما كمال الجزاء في الآخرة، وإنما الغالب في العقوبات الشرعية الزجر و النكال، وإن كان فيها مقاصد أُخر، كما أن غالب مقصود العدة براءة الرحم، وإن كان فيها مقاصدُ أُخر، ولهذا كانت هذه المصلحة مقصودةً في كلِّ عقوبةٍ مشروعةٍ.
والمصلحة الثانية: تطهير الجاني، وتكفير خطيئته، إن كان له عند الله خيرٌ أو عقوبتهُ، والانتقام منه إن لم يكن كذلك، وقد يكون زيادةً في ثوابه ورفعةً في درجاته.
ونظير ذلك المصائب المقدرة في النفس والأهل والمال، فإنها تارةً تكون كفارةً وطهوراً، وتارةً تكونُ زيادةً في الثواب وعلواً في الدرجاتِ، وتارةً تكون عقاباً وانتقاماً.
لكن إذا أساء الإنسانُ سراً فإن الله يقبل توبته سراً، ويغفر له من غير إحواج له إلى أن يظهر ذنبه حتى يقام حدهُ عليه، أما إذا أعلن الفساد بحيث يراه الناس ويسمعونه حتى شهدوا به عند السلطان، أو اعترف هو به عند السلطان، فإنه لا يطهره ـ مع التوبة بعد القدرة ـ إلا إقامته عليه .. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "تَعَافَوُا الحُدُودَ فِيْما بَيْنَكُمْ، فِمَا بَلَغَنِيْ مِنْ حدٍّ فَقَدْ وَجَبَ" وقال صلى الله عليه وسلم لما شُفع إليه في السارقة: "تَطَهَّرْ خَيْرٌ لَهَا"، وقال: "مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِن حُدُودِ اللهِ فَقَدْ ضَادَّ اللهَ فِي أَمْرِهِ"، وقال: "مَنِ ابْتُلِيْ مِنْ هَذِهِ القَاذُورَاتِ بِشَيءٍ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كَتَابَ اللهِ".
إذا تبين ذلك فنقول: هذا الذي أظهر سب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسلمٍ أو معاهدٍ قد أتى بهذه المفسدة التي تضمنت ـ مع الكفر ونقض العهد ـ أذى الله ورسوله، وانتهاك تلك الحرمة التي هي أفضل حرمة المخلوقين، والوقيعة في عِرْضٍ لا يساوي غيرَه من الأعْرَاض، والطعن في صفات الله وأفعاله وفي دين الله وكتابه وجميع أنبياءه والمؤمنين من عباده، فإن الطعن في واحدٍ من الأنبياء طعنٌ في جميع الأنبياء كما قال سبحانه وتعالى: (أُوْلَئِكَ هُمُ الكُافِرُوْنَ حَقّاً)، وطعنٌ في كل من آمن بنبينا من الأنبياء والمؤمنين المتقدمين والمتأخرين".

صور السب وما يندرج تحته:
ناقشنا حكم الساب المتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونناقش هنا ما يندرج تجت السب وما يدخل في حكمه،
صور السب ترجع إلى العرف:
أوضح شيخ الإسلام ابن تيمية في "الصارم المسلول" أن السب يرجع إلى عرف الناس، فكل ما كان نقصًا وانتقاصًا فهو يلحق بالسب، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "هذا الحكم قد نيط في الكتاب والسنة باسم أذى الله ورسوله، وفي بعض الأحاديث ذكر الشتم والسبُّ، وكذلك جاء في ألفاظ الصحابة والفقهاء ذكر السب والشتم، والاسم إذا لم يكن له حدٌّ في اللغة كاسم الأرض والسماء والبر والبحر والشمس والقمر، ولا في الشرع كاسم الصلاة والزكاة والحج والإيمان والكفر، فإنه يُرجعُ في حده إلى العُرْف كالقبض والحِرز والبيع والرهن والكِرَى ونحوها فيجب أن يرجع في حدِّ الأذى والشتم والسب إلى العرف، فما عده أهل العرف سباً أو انتقاصاً أو عيباً أو طعناً ونحو ذلك فهو من السب، وما لم يكن كذلك وهو كفرٌ به، فيكون كفراً ليس بسب، حكم صاحبه حكم المرتد إن كان مظهراً له وإلا فهو زندقةٌ، والمعتَبر أن يكون سبًا وأذى للنبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن سبًّا وأذى لغيره فعلى هذا كل ما لو قيل لغير النبي صلى الله عليه وسلم أوجب تعزيراً أو حدّاً بوجه من الوجوه فإنه من باب سب النبي صلى الله عليه وسلم كالقذف واللعن وغيرهما من الصورة التي تقدم التنبيه عليها، وأما ما يختص بالقدح في النبوة فإن لم يتضمن إلا مجردُ عدم التصديق بنبوته فهو كفرٌ محضٌ، إن كان فيه استخفافٌ و استهانةٌ مع عدم التصديق فهو من السبِّ".
وقد تحدث القاضي عياض رحمه الله في كتابه "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" عن هذه القضية وأفاض في ذكر كثير من الأمثلة التي تندرج تحت هذه القضية، يقول القاضي عياض: "جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خِصَاله أو عَرَّض بِهِ أو شبّهه بشيءٍ على طريق السبِّ له والإزراء عليه أو البغض منه والعيب له فهو سابٌّ له، والحكم فيه حكم الساب: يقتلُ، ولا نستثن فصلاً من فصول هذا الباب عن هذا المقصد، ولا نمترِ فيه، تصريحاً كان أو تلويحاً، وكذلك من لعنه، أو تمنى مضرة له، أو دعا عليه، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذَّم، أو عيَّبه في جهته العزيزة بسُخْفٍ من الكلام وهُجْرٍ ومنكرٍ من القول وزورٍ، أو عيَّره بشيءٍ مما يجري من البلاء والمحنة عليه، أو غَمَصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه، قال: هذا كله إجماعٌ من العلماء وأئمةِ الفتوى من لدن أصحابه و هلم جرَّا.
و روى ابن وهب ، عن مالك : من قال : إن رداء النبي صلى الله عليه وسلم ـ و يروى زر النبي صلى الله عليه وسلم - وسخ، أراد عيبه قتل.
قال بعض علمائنا : أجمع العلماء على أن من دعا على نبي من الأنبياء بالويل ، أو بشيء من المكروه أنه يقتل بلا استتابة .
و أفتى أبو الحسن القابسي فيمن قال في النبي صلى الله عليه و سلم : الحمال يتيم أبي طالب بالقتل .
و أفتى أبو محمد بن أبي زيد بقتل رجل سمع قوماً يتذاكرون صفة النبي صلى الله عليه و سلم إذ مر بهم رجل قبيح الوجه و اللحية ، فقال لهم : تريدون تعرفون صفته ، هي في صفة هذا المار في خلقه و لحيته، قال : و لا تقبل توبته.
ومنها: "رَجُلٌ قَالَ: النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان أَسْوَد".
ومنها: "رجلٌ قيلَ له: "لاَ، وحقّ رسولِ الله" فقال: فعل الله برسول الله كذا، قيل له: ما تقول يا عدو الله، فقال أشدَّ من كلامه الأول، ثم قال: إنما أردت برسول الله العقرب" قالوا: لأن ادعاءه للتأويل في لفظ صراحٍ لا يُقبل، لأنه امتهانٌ، وهو غير معزِّرٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مقِّرٍ له، فوجبت إباحةُ دمه".
ومنها: "عَشَّارٌ قاَلَ: أَدِّ وَاشْكُ إلى النّبيّ، وَقَالَ: إن سألتُ أوْ جَهِلتُ فَقَدْ سَأَلَ النّبِيّ وَجَهِلَ".
وأفتى فقهاء الأندلس بقتل ابن حاتم المتفقه الطليطلي و صلبه بما شهد عليه به من استخفافه بحق النبي صلى الله عليه و سلم وتسميته إياه أثناء مناظرته باليتيم ، وختن حيدرة ، و زعمه أن زهده لم يكن قصداً ، و لو قدر على الطيبات أكلها ، إلى أشباه لهذا .
و أفتى فقهاء القيروان و أصحاب سحنون بقتل إبراهيم الفزاري ، و كان شاعراً متفننا في كثير من العلوم ، و كان ممن يحضر مجلس القاضي أبي العباس بن طالب للمناظرة ، فرفعت عليه أمور منكرة من هذا الباب في الاستهزاء بالله وأنبيائه ونبينا صلى الله عليه و سلم ، فأحضر له القاضي يحيى بن عمر وغيره من الفقهاء ، وأمر بقتله وصلبه ، فطعن بالسكين ، وصلب منكسا ، ثم أنزل وأحرق بالنار .
و قال القاضي أبو عبد الله بن المرابط : من قال : إن النبي صلى الله عليه و سلم هزم يستتاب ، فإن تاب و إلا قتل ، لأنه تنقص ، إذ لا يجوز ذلك عليه في خاصته ، إذ هو على بصيرة من أمره ، ويقين من عصمته .
و قال حبيب بن ربيع القروي : مذهب مالك و أصحابه أن من قال فيه صلى الله عليه و سلم : ما فيه نقص ـ قتل دون استتابة .
و قال ابن عتاب : الكتاب و السنة موجبان أن من قصد النبي صلى الله عليه و سلم بأذى أو نقص ، معرضاً أو مصرحاً ، و إن قل ـ فقتله واجب ، فهذا الباب كله مما عده ا لعلماء سباً أو تنقصاً يجب قتل قائله ، لم يختلف في ذلك متقدمهم ولا متأخرهم ، و إن اختلفوا في حكم قتله على ما أشرنا إليه و نبيه بعد .
و كذلك أقول حكم من غمصه أو عيره برعاية الغنم أو السهو أو النسيان أو السحر، أو ما أصابه من جرح أو هزيمة لبعض جيوشه، أو أذى من عدوه، أو شدة من زمنه، أو بالميل إلى نسائه، فحكم هذا كله لمن قصد به نقصه القتل .
ثم قال القاضي عياض: "فهذا الباب كله مما عَدَّه العلماء ُ سبًّا وتنقُّصاً، يجب قتل قائله لم يختلف في ذلك متقدمهم و متأخرهم، وإن اختلفوا في حكم قتلهِ" .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "التكلم في تمثيل سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر صفته، ذلك مما يثقل على القلب واللسان، ونحن نتعاظم أن نتفوه بذلك ذاكرين أو آثرين لكن الاحتياج إلى الكلام في حكم ذلك نحن نفرضُ الكلام في أنواع السبِّ مطلقاً من غير تعيين، والفقيه يأخذ حظه من ذلك، فنقول: السب نوعان : دعاءٌ، وخبر، أما الدعاء فمثل أن يقول القائل لغيره: لعنه الله، أو قبحه الله، أو أخزاه الله، أو لا رحمه الله، أولا رضي الله عنه، أو قطع الله دابره، فهذا وأمثاله سب للأنبياء ولغيرهم، وكذلك لو قال عن نبيٍّ: لا صلى الله عليه أو لا سلم، أو لا رفع الله ذكره، أو محا الله اسمه، ونحو ذلك من الدعاء عليه بما فيه ضررٌ عليه في الدنيا أو في الدين أو في الآخرة.
فهذا كله إذا صدر من مسلمٍ أو معاهدٍ فهو سبٌّ، فأما المسلم فيُقتل به بكل حالٍ، وأما الذميُّ فيقتل بذلك إذا أظهره.
النوع الثاني: الخبر، فكل ما عدَّه الناس شتماً أو سبًّا أو تنقصاً فإنه يجب به القتل، فإن الكفر ليس مستلزماً للسبِّ، وقد يكون الرجل كافراً ليس بسابّ، والناس يعلمون علماً عاماً أن الرجل قد يبغضُ الرجل ويعتقد فيه العقيدة القبيحة ولا يسبهُ، وقد يضم إلى ذلك مسبةً وإن كانت المسبة مطابقةً للمعتقَد، فليس كل ما يحتمل عقداً يحتمل قولاً، وما لا يحتمل أن يقال سرًّا يحتمل أن يقال جهراً، والكلمة الواحدة تكون في حالٍ سبًّا وفي حال ليست بسبٍّ، فعُلم أن هذا يختلف باختلاف الأقوال والأحوال، وإذا لم يكن للسبِّ حدٌّ معروفٌ في اللغةِ ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى عُرْف الناس، فما كان في العُرف سباً للنبي فهو الذي يجب أن ينزل عليه كلام الصحابة والعلماءِ، وما لا فلا .
مسألة: ما حكم ناقل سب النبي صلى الله عليه وسلم؟:
من المسائل الهامة التي تعرض لها العلماء، هو حكم ناقل وحاكي سب النبي صلى الله عليه وسلم عن غيره، وتظهر أهمية هذه المسألة بعد قيام بعض الدعاة بعرض الصور المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك على سبيل إعلام المسلمين بالإساءة التي تعرض لها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد تعرض القاضي عياض في كتابه الشفا لهذه المسألة بشيء من التفصيل المهم، وهو ما جعلنا ننقله بنصه هنا؛ يقول القاضي عياض: "الوجه السادس أن يقول القائل ذلك حاكياً عن غيره، و آثراً له عن سواه، فهذا ينظر في صورة حكايته و قرينة مقالته، و يختلف الحكم باختلاف ذلك على أربعة وجوه: الوجوب، و الندب، و الكراهة، التحريم، فإن كان أخبر به على وجه الشهادة و التعريف بقائله، و الإنكار و الإعلام بقوله، و التنفير منه، و التجريح له فهذا مما ينبغي امتثاله، و يحمد فاعله، و كذلك إن حكاه في كتاب أو في مجلس على طريق الرد له والنقض على قائله، وللفتيا بما يلزمه.
و هذا منه ما يجب، و منه ما يستحب بحسب حالات الحاكي لذلك و المحكي عنه، فإن كان القائل لذلك ممن تصدى لأن يؤخذ عنه العلم أو رواية الحديث، أو يقطع بحكمه أو شهادته، أو فتياه في الحقوق وجب على سامعه الإشادة بما سمع منه و التنفير للناس عنه، و الشهادة عليه بما قاله، ووجب على من بلغه ذلك من أئمة المسلمين إنكاره، و بيان كفره، و فساد قوله، لقطع ضرره عن المسلمين، و قياماً بحق سيد المرسلين، و كذلك إن كان ممن يعظ العامة، أو يؤدب الصبيان فإن من هذه سريرته لا يؤمن على إلقاء ذلك في قلوبهم، فيتأكد في هؤلاء الإيجاب لحق النبي صلى الله عليه وسلم، ولحق شريعته.
وإن لم يكن القائل بهذه السبيل فالقيام بحق النبي صلى الله عليه وسلم واجب، وحماية عرضه متعين، ونصرته عن الأذى حياً وميتاً مستحق على كل مؤمن، لكنه إذا قام بهذا من ظهر به الحق، وفصلت به القضية، وبان به الأمر سقط عن الباقي الفرض، وبقي الاستحباب في تكثير الشهادة عليه ، و عضد التحذير منه.
و قد أجمع السلف على بيان حال المتهم في الحديث ، فكيف بمثل هذا ؟.
و قد سئل أبو محمد بن أبي زيد عن الشاهد يسمع مثل هذا في حق الله تعالى : أيسعه ألا يؤدي شهادته ؟ قال : إن رجا نفاذ الحكم بشهادته فليشهد.
وكذلك إن علم أن الحاكم لا يرى القتل بما شهد به، و يرى الاستتابة و الأدب فليشهد، و يلزمه ذلك.
و أما الإباحة لحكاية قوله لغير هذين المقصدين ، فلا أرى لها مدخلاً في هذا الباب ، فليس التفكه بعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، و التمضمض بسوء ذكره لأحد، لا ذاكراً و لا آثراً لغير غرض شرعي بمباح، وأما للأغراض المتقدمة فمتردد بين الايجاب والاستحباب.
وقد حكى الله تعالى مقالات المفترين عليه وعلى رسله في كتابه على وجه الإنكار لقولهم، والتحذير من كفرهم، والوعيد عليه، والرد عليهم بما تلاه الله علينا في محكم كتابه.
وكذلك وقع من أمثاله في أحاديث النبي اصلى الله عليه وسلم الصحيحة على الوجوه المتقدمة، وأجمع السلف والخلف من أئمة الهدى على حكايات مقالات الكفرة و الملحدين في كتبهم مجالسهم ليبينوها للناس، و ينقضوا شبهها عليهم، و إن كان ورد لأحمد بن حنبل إنكار لبعض هذا على الحارث بن أسد، فقد صنع أحمد مثله في رده على الجهمية و القائلين بالمخلوق.
هذه الوجوه السائغة الحكاية عنها، فأما ذكرها على غير هذا من حكاية سبه والإزراء بمنصبه على وجه الحكايات والأسمار و الطرف وأحاديث الناس و مقالاتهم في الغث و السمين، و مضاحك المجان، ونوادر السخفاء، والخوض في قيل وقال، و ما لا يعني فكل هذا ممنوع، وبعضه أشد في المنع والعقوبة من بعض، فما كان من قائله الحاكي له على غير قصد أو معرفة بمقدار ما حكاه، أو لم تكن عادته، أو لم يكن الكلام من البشاعة حيث هو، ولم يظهر على حاكيه استحسانه و استصوابه زجر عن ذلك ، و نهي عن العودة إليه، وإن قوم ببعض الأدب فهو مستوجب له، وإن كان لفظه من البشاعة حيث هو كان الأدب أشد.
وقد حكي أن رجلاً سأل مالكاً عمن يقول : القرآن مخلوق، فقال مالك : كافر فاقتلوه، فقال : إنما حكيته عن غيري، فقال مالك : إنما سمعناه منك.
و هذا من مالك على طريق الزجر و التغليظ ، بدليل أنه لم ينفذ قتله .
وإن اتهم هذا الحاكي فيما حكاه أنه اختلقه، و نسبه إلى غيره، أو كانت تلك عادة له، أو ظهر استحسانه لذلك، أو كان مولعاً بمثله، و الاستخفاف له، أو التحفظ لمثله، و طلبه، ورواية أشعار هجوه صلى الله عليه وسلم وسبه، فحكم هذا حكم الساب نفسه، يؤاخذ بقوله، ولا تنفعه نسبته إلى غيره، فيبادر بقتله و يعجل إلى الهاوية أمه.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: فيمن حفظ شطر بيت مما هجي به النبي صلى الله عليه وسلم فهو كفر، و قد ذكر بعض من ألف في الإجماع؛ إجماع المسلمين على تحريم رواية ما هجي به النبي صلى الله عليه وسلم، و كتابته و قراءته، و تركه متى وجد دون محو ورحم الله أسلافنا المتقين المتحرزين لدينهم، فقد أسقطوا من أحاديث المغازي و السير ما كان هذا سبيله، و تركوا روايته إلا أشياء ذكروها يسيرة و غير مستبشعة، على نحو الوجوه الأول، ليروا نقمة الله من قائلها، و أخذه المفتري عليه بذنبه.
و هذا أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله قد تحرى فيما اضطر إلى الاستشهاد به من أهاجي أشعار العرب في كتبه، فكنى عن اسم المهجو بوزن اسمه، استبراء لدينه، و تحفظاً من المشاركة في ذم أحد أو نشره ، فكيف بما يتطرق إلى عرض سيد البشر صلى الله عليه وسلم" .
وبهذا التفصيل الماتع يتبين أن إعادة نشر هذه الصور المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تختلف باختلاف الغرض من ورائها، فمن نشرها قاصدًا الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو التفكه بذلك فهو كفر، أما من نشرها بغرض الإعلام والإبلاغ فهو لا يكفر، ولكن فعله هذا قد يندرج في باب الإثم والمعصية لأن نشر هذه الصور مما يلحق الأذى برسول الله صلى الله عليه وسلم ومما يجعل عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم غرضًا مباحًا تلوكه الألسنة، فضلاً عن الإيذاء والألم الذي تسببه تلك الصور للمسلمين، وكل هذه الأمور محرمة نهى عنها الله عزوجل، وأمر رسولُه صلى الله عليه وسلم المسلمين باجتنابها.



"إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ .."
أجمع العلماء على أن الله ناصر رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنتقم له من أعدائه، يقول الإمام الطبري في تفسيره:" .. هذا إعلامٌ من الله أصحابَ رسوله صلى الله عليه وسلم أنّه المتوكّل بنصر رسوله على أعداء دينه وإظهاره عليهم دونهم، أعانوه أو لم يعينوه، وتذكيرٌ منه لهم فعلَ ذلك به، وهو من العدد في قلة، والعدوُّ في كثرة، فكيف به وهو من العدد في كثرة، والعدو في قلة؟.
يقول لهم جل ثناؤه: إلا تنفروا، أيها المؤمنون، مع رسولي إذا استنفركم فتنصروه، فالله ناصره ومعينه على عدوّه ومغنيه عنكم وعن معونتكم ونصرتكم; كما نصره (إذ أخرجه الذين كفروا) بالله من قريش من وطنه وداره (ثاني اثنين) ..".
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الماتع "الصارم المسلول": ".. إنَّ الله منتقمٌ لرسوله ممن طعن عليه وسَبَّه، ومُظْهِرٌ لِدِينِهِ ولِكَذِبِ الكاذب إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد، ونظير هذا ما حَدَّثَنَاه أعدادٌ من المسلمين العُدُول، أهل الفقه والخبرة، عمَّا جربوه مراتٍ متعددةٍ في حَصْرِ الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا، قالوا: كنا نحن نَحْصُرُ الحِصْنَ أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنعٌ علينا حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهلُهُ لِسَبِّ رسولِ الله والوقيعةِ في عرضِه تَعَجَّلنا فتحه وتيَسَّر، ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك،ثم يفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا: حتى إن كنا لَنَتَبَاشَرُ بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه، مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوا فيه.
وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن المسلمين من أهل الغرب حالهم مع النصارى كذلك، ومن سنة الله أن يعذب أعداءه تارة بعذاب من عنده وتارة بأيدي عباده المؤمنين" .
ويضيف شيخ الإسلام في موضع آخر من الكتاب نفسه: " .. ومن سنة الله أن من لم يمكن المؤمنون أن يعذبوه من الذين يؤذون الله ورسوله؛ فإن الله سبحانه ينتقم منه لرسوله ويكفيه إياه، .. كما قال سبحانه: )فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِيَن * إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهزِئِين(.. فكل من شنأه وأبغضه وعاداه فإن الله تعالى يقطع دابره، ويمحق عينه وأثره" ، وقال رحمه الله : وقد ذكرنا ما جرّبه المسلمون من تعجيل الانتقام من الكفار إذا تعرّضوا لسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبلغنا مثل ذلك في وقائع متعددة ، وهذا باب واسعٌ لا يُحاطُ بِهِ" .
لذلك فإننا نؤمن بأنه إن تخاذل المسلمون أو ضعفوا عن نصرة نبيهم صلى الله عليه وسلم، فإن الله عزوجل منتقم له وناصره، وفي أحداث التاريخ منذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المواقف والأحداث التي تؤكد أن الله تبارك وتعالى تكفل بالانتقام لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ولعل تتبع هذا الأمر يحتاج إلى مجلد ضخم، غير أننا نكتفي في هذه الرسالة بعرض عدة وقائع أمر الله عزوجل فيها جنوده بالانتصار لنبيه وخليله محمد صلى الله عليه وسلم.
نماذج من انتقام الله لنبيه صلى الله عليه وسلم
1- في مكة .. "إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ":
قال ابن عاشور في تفسير التحرير والتنوير عند قوله تعالي "إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ":".. التعبير عنهم بوصف {المستهزئين} إيماء إلى أنه كفاه استهزاءهم وهو أقلّ أنواع الأذى، فكفايته ما هو أشدّ من الاستهزاء من الأذى مفهوم بطريق الأحْرى.
وتأكيد الخبر بإنّ لتحقيقه اهتماماً بشأنه لا للشكّ في تحقّقه، والتّعريف في {المستهزءين} للجنس فيفيد العموم، أي كفيناك كل مستهزء.
وفي التّعبير عنهم بهذا الوصف إيماء إلى أن قصارى ما يؤذونه به الاستهزاء، كقوله تعالى:{لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} [آل عمران : 111 ]، فقد صرفهم الله عن أن يؤذوا النبي بغير الاستهزاء، وذلك لطف من الله برسوله.
ومعنى الكفاية تولّي الكافي مهمَ المكفي، فالكافي هو متولي عمل عن غيره لأنه أقدر عليه أو لأنه يبتغي راحة المكفي، يقال : كفيتُ مهمك، فيتعدّى الفعل إلى مفعولين ثانيهما هو المهم المكفي منه، فالأصل أن يكون مصدراً فإذا كان اسم ذات فالمراد أحواله التي يدلّ عليها المقام، فإذا قلت: كفيتك عدوّك، فالمراد: كفيتك بأسه، وإذا قلت: كفيتك غريمك، فالمراد: كفيتك مطالبتَه.
فلما قال هنا {كفيناك المستهزئين} فهم أن المراد كفيناك الانتقام منهم وإراحتك من استهزائهم"أهـ.
وقال ابن هشام في السيرة النبوية تحت عنوان "كفاية الله أمر المستهزئين" : ".. قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله تعالى صابرا محتسبا، مؤديا إلى قومه النصيحة على ما يلقى منهم من التكذيب والأذى والاستهزاء، وكان عظماء المستهزئين كما حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير خمسة نفر من قومهم وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم.
من بني أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب: الأسود بن المطلب بن أسد أبو زمعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه به فقال اللهم أعم بصره وأثكله ولده.
ومن بني زهرة بن كلاب : الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة.
ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة : الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب : العاص بن وائل بن هشام.
ومن بني خزاعة : الحارث بن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عبد عمرو بن ( لؤي بن ) ملكان فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء أنزل الله تعالى عليه (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الحجر 94-96].
قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير ، أو غيره من العلماء أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يطوفون بالبيت فقام وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه فمر به الأسود بن المطلب، فرمى في وجهه بورقة خضراء فعَمِي.
ومر به الأسود بن عبد يغوث، فأشار إلى بطنه فاسْتَسْقَى بطنه فمات منه حَبَنَا .
ومر به الوليد بن المغيرة، فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله كان أصابه قبل ذلك بسنين وهو يجرّ سِبله ، وذلك أنه مر برجل من خزاعة وهو يَريش نبلا له فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش في رجله ذلك الخدش وليس بشيء، فانتقَض به فقتله.
ومر به العاص بن وائل ، فأشار إلى أخمص رجله وخرج على حمار له يريد الطائف ، فربض به على شِبْرِقَةٍ فدخلت في أخمص رجله شوكة فقتلته.
ومر به الحارث بن الطلاطلة، فأشار إلى رأسه فامتخض قيحا، فقتله".
فهؤلاء خمسة من أساطين الكفر بمكة اعتدوا على مقام النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، فما كان من الله إلا وأنهى حياتهم بأساليب شتى نكالاً لهم في الدنيا وتمهيدًا لعذاب السعير ونار الخلد في الآخرة.

2- مع فرعون هذه الأمة (أبي جهل):
روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه أنه قال: قال أبو جهل هل يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْن أَظهُرِكُم، قَالَ فَقِيلَ نَعَمْ فَقَالَ وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيتُهُ يَفعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ قَالَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ قَالَ فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ قَالَ فَقِيلَ لَهُ مَا لَكَ فَقَالَ إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلاً وَأَجْنِحَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا نَدْرِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ شَيْءٌ بَلَغَهُ
{ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى }يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ كَلَّا لَا تُطِعْهُ} .
يقول الإمام النووي رحمه الله في تعليقه على هذا الحديث: (..لهذا الحديث أمثلة كثيرة في عصمته صلى الله عليه وسلم من أبي جهل وغيره ، ممن أراد به ضررا ، قال الله تعالى : { والله يعصمك من الناس } .. والله أعلم".
وعندما نتحدث عن نماذج نصرة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، سوف نرى كيف أن مصير "أبي جهل" كان القتل على يد شبلين من أشبال الإسلام اللذين ساءهما تطاول "أبي جهل" على مقام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

3- الأسْدُ تنتصر لرسول الله (مصير عتبة بن أبي لهب):
كان "عتبة بن أبي لهب" من أشد المتطاولين على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، بلغ من جرمه وعدوانه أن أمسك بتلابيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفل في وجهه الشريف، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسلط عليه الله كلبًا من كلابه.
ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره أن ابن عساكر أورد في "تاريخ دمشق" في ترجمة "عتبة بن أبي لهب" من طريقه عن هَبَّار بن الأسود قال: كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزا إلى الشام، فتجهزت معهما، فقال ابنه عتبة: والله لأنطلقن إلى محمد ولأوذينه في ربه، سبحانه، فانطلق حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، هو يكفر بالذي دنى فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم ابعث إليه كلبا من كلابك"، ثم انصرف عنه فرجع إلى أبيه فقال: يا بني، ما قلت له؟ فذكر له ما قال له، قال: فما قال لك؟ قال: "اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك" قال: يا بني، والله ما آمنُ عليك دُعاءه.
فسرنا حتى نزلنا الشراة، وهي مأْسَدَة، ونزلنا إلى صَوْمَعة راهب، فقال الراهب: يا معشر العرب، ما أنزلكم هذه البلاد فإنها تسرح الأسْدُ فيها كما تسرح الغنم؟ فقال لنا أبو لهب: إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي، وإن هذا الرجل قد دعا على ابني دعوةً -والله-ما آمنها عليه، فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة، وافرشوا لابني عليها، ثم افرشوا حولها. ففعلنا، فجاء الأسد فَشَمّ وجوهنا، فلما لم يجد ما يريد تَقَبّض، فوثب، فإذا هو فوق المتاع، فشم وجهه ثم هزمه هَزْمة فَفَضخ رأسه. فقال أبو لهب: قد عرفت أنه لا ينفلت عن دعوة محمد.
وروى البيهقي عن أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه أن عتبة بن أبي لهب قال: يا محمد هو يكفر برب النجم، إذا هوى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سلط عليه كلبا من كلابك)، وكان أبو لهب يحتمل البز الى الشام، ويبعث بولده مع غلمانه ووكلائه، ويقول: إنكم قد عرفتم سني وحقي، وإن محمدا قد دعا على ابني دعوة، والله ما آمنها عليه، فتعاهدوه، فكانوا إذا نزلوا المنزل ألزقوه الى الحائط وغطوا عليه الثياب والمتا ع حتى نزلوا في مكان من الشام يقال له الزرقاء ليلا، فطاف بهم الاسد، فجعل عتبة يقول: يا ويل أمي هو والله آكلي كما دعا محمد علي، قتلني محمد وهو بمكة وأنا بالشام، لا والله ما أظلت السماء، على ذي لهجة أصدق من محمد، ثم وضعوا العشاء فلم يدخل يده فيه ثم جاء النوم، فحاطوا أنفسهم بمتاعهم ووسطوه بينهم، وناموا فجاء الاسد يهمس يستنشق رؤوسهم رجلا رجلا، حتى انتهى إليه، وقال هبار: فجاء الاسد فشم وجوهنا فلما لم يجد ما يريد تقابض ثم وثب، فإذا هو فوق المتاع فشم وجهه ثم هزمه هزمة ففضخ رأسه فقال وهو بآخر رمق: ألم أقل لكم ان محمدا أصدق الناس ؟ ومات فبلغ ذلك أبا لهب، فقال: ألم أقل لكم اني أخاف عليه دعوة محمد ؟ قد والله عرفت ما كان لينفلت من دعوة محمد.
وذكر الصالحي صاحب "سبل الهدي والرشاد" أن حسان بن ثابت رضى الله عنه قال في ذلك:
سائل بن الأشقر إن جئتهم ما كان أنباء أبي واسع؟
لا وسع الله قبره بل ضيق الله على القاطع
من يرجع العامَ إلى أهله فَما أكِيلُ السّبْع بالرَّاجعِ

4- وفي المدينة .. (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) :
قال الحافظ ابن كثير في تفسير قول الله تعالي: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [المائدة (67)]: ".. وقوله: { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } أي: بلغ أنت رسالتي، وأنا حافظك وناصرك ومؤيدك على أعدائك ومظفرك بهم، فلا تخف ولا تحزن، فلن يصل أحد منهم إليك بسوء يؤذيك.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول هذه الآية يُحْرَس كما قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا يحيى، قال سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يحدث: أن عائشة كانت تحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سَهِر ذات ليلة، وهي إلى جنبه، قالت: فقلتُ: ما شأنك يا رسول الله؟ قال: "ليت رجلا صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة؟" قالت: فبينا أنا على ذلك إذ سمعت صوت السلاح فقال: "من هذا؟" فقال: أنا سعد بن مالك. فقال: "ما جاء بك؟" قال: جئت لأحرسك يا رسول الله. قالت: فسمعت غطيط رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه. أخرجاه في الصحيحين من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، به ، وفي لفظ: سَهِر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة مَقْدَمِه المدينة. يعني: على أثر هجرته إليها بعد دخوله بعائشة، رضي الله عنها، وكان ذلك في سنة ثنتين منها.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا إبراهيم بن مرزوق البصري نزيل مصر، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا الحارث بن عُبَيد -يعني أبا قدامة-عن الجُرَيري، عن عبد الله بن شَقِيق، عن عائشة [رضي الله عنها] قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحْرَس حتى نزلت هذه الآية: { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } قالت: فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم رأسه من القُبَّة، وقال: "يأيها الناس، انصرفوا فقد عصمني الله عز وجل".
وهكذا رواه الترمذي، عن عبد بن حُمَيد وعن نصر بن علي الجَهْضمي، كلاهما عن مسلم بن إبراهيم، به. ثم قال: وهذا حديث غريب.
وهكذا رواه ابن جرير والحاكم في مستدركه، من طرق مسلم بن إبراهيم، به. ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وكذا رواه سعيد بن منصور، عن الحارث بن عُبَيد أبي قدامة الأيادي عن الجُرَيري، عن عبد الله بن شَقِيق، عن عائشة، به .
ثم قال الترمذي: وقد روى بعضهم هذا عن الجُرَيري، عن ابن شقيق قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس. ولم يذكر عائشة.." ، وأورد الحافظ ابن كثير – رحمه الله – روايات الحديث من تفسير الإمام الطبري – رحمه الله – ثم قال:
" .. ومن عصمة الله عز وجل لرسوله حفْظُه له من أهل مكة وصناديدها وحسادها ومُعَانديها ومترفيها، مع شدة العداوة والبَغْضة ونصب المحاربة له ليلا ونهارًا، بما يخلقه الله تعالى من الأسباب العظيمة بقَدَره وحكمته العظيمة. فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب، إذ كان رئيسًا مطاعًا كبيرًا في قريش، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا شرعية، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه، فلما مات أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيرًا، ثم قيض الله عز وجل له الأنصار فبايعوه على الإسلام، وعلى أن يتحول إلى دارهم -وهي المدينة، فلما صار إليها حَمَوه من الأحمر والأسود، فكلما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله ورد كيده عليه، لما كاده اليهود بالسحر حماه الله منهم، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء، ولما سم اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر، أعلمه الله به وحماه الله منه؛ ولهذا أشباه كثيرة جدًا يطول ذكرها، فمن ذلك ما ذكره المفسرون عند هذه الآية الكريمة: فقال أبو جعفر بن جرير: حدثنا الحارث، حدثنا عبد العزيز، حدثنا أبو مَعْشَرٍ، عن محمد بن كعب القُرَظِي وغيره قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلا اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها. فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال: من يمنعك مني؟ فقال: "الله عز وجل"، فَرُعِدَت يد الأعرابي وسقط السيف منه، قال: وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه، فأنزل الله عز وجل: { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القَطَّان، حدثنا زيد بن الحُبَاب، حدثنا موسى بن عبيدة، حدثني زيد بن أسلم، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أنمار، نزل ذات الرِّقاع بأعلى نخل، فبينا هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه، فقال غَوْرَث بن الحارث من بني النجار: لأقتلن محمدًا. فقال له أصحابه: كيف تقتله؟ قال: أقول له: أعطني سيفك. فإذا أعطانيه قتلته به، قال: فأتاه فقال: يا محمد، أعطني سيفك أشيمُه. فأعطاه إياه، فَرُعدت يده حتى سقط السيف من يده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حال الله بينك وبين ما تريد" فأنزل الله، عز وجل: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }
وهذا حديث غريب من هذا الوجه وقصة "غَوْرَث بن الحارث" مشهورة في الصحيح " .

5- التيس ينتقم للنبي الأكرم (مصير عبد الله بن قمئة):
وهذا مجرم آخر تطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد أن يقتله، فكان جزاؤه أن لقي حتفه بقرني تيس ألقاه من فوق الجبل، روى أصحاب السير والمغازي: لما رأى خالد بن الوليد الرُّمَاةَ يوم أحد قد اشتغلوا بالغنيمة، ورأى ظهورَهم خاليةً، صاح في خَيْله من المُشْرِكِين، ثم حمل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من خلفهم، فهزموهم، وقتلوهم، ورمى عبد الله بن قمئة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحَجَر، فكسر أنفه ورباعيته، وشُجَّ في وجهه، فأثقله، وتفرق عنه أصحابُه، وأقبل عبد الله بن قمئة يريد قَتْلَ النبي صلى الله عليه وسلم فذَبَّ مصعب بن عمير وهو صاحب راية النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقتله ابنُ قَمِئة، وهو يرى أنه قتل النبي صلى الله عليه وسلم فرجع، وقال: إني قتلتُ محمداً، وصاح صارخ : ألا إن محمداً قد قُتِل.
روي الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رماه عبد الله بن قمئة بحجر يوم أحد فشجه في وجهه وكسر رباعيته وقال: خذها وأنا ابن قمئة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمسح الدم عن وجهه : " ما لك أقمأك الله ؟ "، فسلط الله عليه تيس جبل فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة .

6- صاعقة السماء تحرق المتآمرين:
وهذا مجرم آخر من مجرمي المنافقين لم يكتفي بتحريضه على قتل سبعين من قراء الصحابة في بئر المعونة ، بل سعى إلى اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفظ الله رسوله صلى الله عليه وسلم وانتقم من أعدائه.
روى الطبراني في المعجم الكبير والمعجم الأوسط بسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أَرْبَدَ بن قَيْسِ بن جُزِيِّ بن خَالِدِ بن جَعْفَرِ بن كِلابٍ، وَعَامِرَ بن الطُّفَيْلِ بن مَالِكٍ قَدِمَا الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَانْتَهَيَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ، فَجَلَسَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ عَامِرُ بن الطُّفَيْلِ: يَا مُحَمَّدُ، مَا تَجْعَلُ لِي إِنْ أَسْلَمْتُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:لَكَ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ، قَالَ عَامِرُ بن الطُّفَيْلِ: أَتَجْعَلُ لِيَ الأَمْرَ إِنْ أَسْلَمْتُ مِنْ بَعْدِكَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ، وَلا لِقَوْمِكَ، وَلَكِنْ لَكَ أَعِنَّةُ الْخَيْلِ، قَالَ: أَنَا الآنَ فِي أَعِنَّةِ خَيْلِ نَجْدٍ، اجْعَلْ لِيَ الْوَبَرَ، وَلَكَ الْمَدَرَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:لا، فَلَمَّا قَفَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَامِرٌ: أَمَا وَاللَّهِ لأَمْلأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلا وَرِجَالا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:يَمْنَعُكَ اللَّهُ، فَلَمَّا خَرَجَ أَرْبَدُ وَعَامِرٌ، قَالَ عَامِرٌ: يَا أَرْبَدُ، أَنَا أَشْغَلُ عَنْكَ مُحَمَّدًا بِالْحَدِيثِ، فَاضْرِبْهُ بِالسَّيْفِ، فَإِنَّ النَّاسَ إِذَا قَتَلْتَ مُحَمَّدًا لَمْ يَزِيدُوا عَلَى أَنْ يَرْضَوْا بِالدِّيَةِ، وَيَكْرَهُوا الْحَرْبَ، فَسَنُعْطِيهِمُ الدِّيَةَ، قَالَ أَرْبَدُ: أَفْعَلُ، فَأَقْبَلا رَاجِعَيْنِ إِلَيْهِ، فَقَالَ عَامِرٌ: يَا مُحَمَّدُ، قُمْ مَعِي أُكَلِّمْكَ، فَقَامَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَلَيَا إِلَى الْجِدَارِ، وَوَقَفَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمُهُ، وَسَلَّ أَرْبَدُ السَّيْفَ، فَلَمَّا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى قَائِمِ السَّيْفِ يَبِسَتْ عَلَى قَائِمِ السَّيْفِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ سَلَّ السَّيْفِ، فَأَبْطَأَ أَرْبَدُ عَلَى عَامِرٍ بِالضَّرْبِ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَى أَرْبَدَ وَمَا يَصْنَعُ، فَانْصَرَفَ عَنْهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَ عَامِرٌ وَأَرْبَدُ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَا بِالْحَرَّةِ حَرَّةِ وَاقِمٍ، نَزَلا فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا سَعْدُ بن مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بن حُضَيْرٍ، فَقَالا: اشْخَصَا يَا عَدُوَّيِ اللَّهِ، لَعَنَكُمَا اللَّهُ، قَالَ عَامِرٌ: مَنْ هَذَا يَا سعدُ؟ قَالَ: هَذَا أُسَيْدُ بن حُضَيْرٍ الْكَاتِبُ، قَالَ: فَخَرَجَا حَتَّى إِذا كَانَا بِالرَّقْمِ أَرْسَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَرْبَدَ صَاعِقَةً فَقَتَلَتْهُ، وَخَرَجَ عَامِرٌ إِذَا كَانَ بِالْحَرِّ، ثُمَّ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَرْحَةً فَأَخَذَتْهُ، فَأَدْرَكَهُ اللَّيْلُ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بني سَلُولٍ، فَجَعَلَ يَمَسُّ قُرْحَتَهُ فِي حَلْقِهِ، وَيَقُولُ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْجَمَلِ فِي بَيْتِ سَلُولِيَّةٍ، يَرْغَبُ أَنْ يَمُوتَ فِي بَيْتِهَا، ثُمَّ رَكِبَ فَرَسَهُ، فَأَحْضَرَهُ حَتَّى مَاتَ عَلَيْهِ رَاجِعًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمَا: "اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ"[الرعد آية 8] إِلَى قَوْلِهِ: "وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍِ"[الرعد آية 11] ، قَالَ: الْمُعَقِّبَاتُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يَحْفَظُونَ مُحَمَّدًا، ثُمَّ ذَكَرَ أَرْبَدَ وَمَا قَبْلَهُ بِهِ، قَالَ: "هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمعًا"[الرعد آية 12] إِلَى قَوْلِهِ: "وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ"[الرعد آية 13] .

7- الأرض تنتصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
أخرج الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما بألفاظ متقاربة عن أنس رضي الله عنه قال: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا (عند مسلم : كَانَ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ) فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، [وعند مسلم : فَانْطَلَقَ هَارِباً حَتَّىَ لَحِقَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ . قَالَ : فَرَفَعُوهُ ] فَكَانَ يَقُولُ :"مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ " [ وعند مسلم : قَالُوا : هَذَا قَدْ كَانَ يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ ، فَأُعْجِبُوا بِهِ]، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ [ وعند مسلم : فَمَا لَبِثَ أَنْ قَصَمَ اللهُ عُنُقَهُ فِيهِمْ ] ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ [وعند مسلم : قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَىَ وَجْهِهَا] فَقَالُوا : " هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَقَالُوا: "هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ "، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الْأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ [ وعند مسلم : فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذا] .
فهذا الأرض الجامدة تننقم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المتطاول المجرم، وتتركه عبرة وعظة لمن يعتبر أو يتعظ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "الصارم المسلول" معلقاً على القصة: "فهذا الملعونُ الذي افترى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يدري إلا ما كتب له ؛ قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دفن مراراً ، وهذا أمرٌ خارجٌ عن العادة ، يدلُ كلّ أحدٍ على أن هذا عقوبة لما قالهُ، وأنه كان كاذباً، إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا، وأن هذا الجُرمَ أعظمُ من مجرد الارتداد، إذ كان عامةُ المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا، وأن اللهَ منتقمٌ لرسولهِ صلى اللهُ عليه وسلم ممن طعن عليه وسبهُ، ومظهرٌ لدينه، ولكذب الكاذب إذا لم يمكن للناس أن يقيموا عليه الحد" .

8- مزق خطاب النبي صلى الله عليه وسلم فكان يمزق ملكه:
وها هو كسرى عظيم الفرس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرأ ويمزق خطاب النبي صلى الله عليه وسلم إليه الذي يدعوه إلى الإسلام، فيكون الجزاء من جنس العمل ولا تمض إلا أيام ويمزق الله ملكه وكأنه بتمزيقه لخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمزق ملكه هو، بل ومزق ملك الفرس الذي أنهى المسلمون دولتهم في سلسلة من الفتوحات المجيدة.
روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن ابْنَ عَبَّاسٍ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": " .. وفي حديث عبد الله بن حذافة " فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم مزق ملكه " وكتب – أي كسرى - إلى باذان عامله على اليمن: ابعث من عندك رجلين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز، فكتب باذان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أبلغا صاحبكما أن ربي قتل ربه في هذه الليلة ، قال : وكان ذلك ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الأولى سنة سبع ، وإن الله سلط عليه ابنه شيرويه فقتله .
وروى البيهقي من طريق ابن عون عن عمير بن اسحاق رضي الله عنه قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى كسرى وقيصر، فأما قيصر فوضعه وأما كسرى فمزقه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أما هؤلاء فيمزقون، وأما هؤلاء فستكون لهم بقية) .
وكان مقتل كسرى كبير الفرس على يد أقرب الناس إليه "شيرويه" ابنه الكبير فيقتله، ثم ما يلبث أن يُقتل هو، ثم يقُتل من قتله، وحتى تمزق ملك كسرى حتى أخذه المسلمون وفتحوا بلاده كلها في عهد الراشدين.

9- والكلاب تثأر لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
ومن الوقائع العجيبة في انتقام الله عزوجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ما ذكره الحافظ ابن حجر في كتابه "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة"؛ حيث ذكر الحافظ ابن حجر ".. أن بعض أمراء المغل تنصر فحضر عنده جماعة من كبار النصارى والمغل فجعل واحد منهم ينتقص النبي صلى الله عليه وسلم وهناك كلب صيد مربوط فلما أكثر من ذلك وثب عليه الكلب فخمشه فخلصوه منه.
وقال بعض من حضر: هذا بكلامك في محمد صلى الله عليه وسلم.
فقال كلا بل هذا الكلب عزيز النفس رآني أشير بيدي فظن أني أريد أن أضربه، ثم عاد إلى ما كان فيه فأطال فوثب الكلب مرة أخرى فقبض على زردمته فقلعها فمات من حينه فأسلم بسبب ذلك نحو أربعين ألفا من المغل" .

10- وقائع متفرقة:
- ومن الوقائع التي تندرج تحت انتقام الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، ما ذكره القاضي عياض في كتابه الرائع "الشفا " من قصة عجيبة لساخرٍ بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أن فقهاءَ القيروانِ وأصحابَ سُحنُون أفتوا بقتلِ إبراهيم الفزاري، وكان شاعراً متفنناً في كثير من العلومِ، وكان يستهزىء باللهِ وأنبيائهِ ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فأمر القاضي يحيى بن عمرَ بقتله وصلبه، فطُعن بالسكينِ وصُلب مُنكسًا، ثم أُنزل وأُحرق بالنارِ، وحكى بعضُ المؤرخين أنه لما رُفعت خشبته، وزالت عنها الأيدي استدارت وحولته عن القبلةِ فكان آيةً للجميعِ، وكبر الناسُ، وجاءَ كلبٌ فولغ في دمهِ .
- ومن ذلك أيضًا ما ذكره الحافظ ابن كثير في كتاب "البدايةِ والنهايةِ" عند أحداثِ سنة (761 هـ ) ما نصه:"وفي يوم الجمعة السادس عشر منه قُتل عثمانُ بنُ محمد المعروف بابنِ دبادب الدقاق بالحديدِ على ما شهد عليه به جماعةٌ لا يمكنُ تواطؤهم على الكذبِ ، أنه كان يكثرُ من شتمِ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلم ، فرُفع إلى الحاكمِ المالكي وادعى عليه فأظهر التجابنَ ، ثم استقر أمرهُ على أن قتلَ قبحهُ اللهُ وأبعدهُ ولا رحمهُ.
وفي يوم الاثنين السادس والعشرين منه قتل محمد المدعو زبالة الذي بهتار لابن معبد على ما صدر منه من سب النبي صلى الله عليه وسلم ، ودعواه أشياء كفرية ، وذكر عنه أنه كان يكثر الصلاة والصيام ، ومع هذا يصدر منه أحوال بشعة في حق أبي بكر وعمر وعائشة أم المؤمنين ، وفي حق النبي صلى الله عليه وسلم ، فضربت عنقه أيضاً في هذا اليوم في سوق الخيل ولله الحمد والمنة" .

11- الخطيب المفوه يصبح حارس أحذية:
من القصص ذات العبر في عاقية المستهزئين والمتطاولين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكره الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في كتابه "كلمة الحق" عن والده محمد شاكر، وكيل الأزهر في مصر سابقاً، أن خطيباً مفوهًا فصيحًا كان يتوافد إليه الناس لسماع خطبه، حضر إليه ذات يوم في خطبته أحد أمراء مصر، فأراد هذا الخطيب مدح هذا الأمير والثناء عليه، وكان هذا الأمير قد أكرم طه حسين الذي كان يطعن في القرآن وفي العربية، فلما حضر طه حسين والأمير في الخطبة، قام هذا الخطيب المفوه يمدح ذلك الأمير قائلا له:
جاءه الأعمى فمــا عبس بوجه وما تولى
وهو يقصد من شعره هذا إساءة النبي عليه الصلاة والسلام، لأن الله قال عن قصته عليه الصلاة والسلام مع ابن أم مكتوم " عبس وتولى أن جاءه الأعمى " فلما صلى الخطيب بالناس قام الشيخ محمد شاكر والد الشيخ أحمد شاكر رحمهما الله ، وقال للناس : أعيدوا صلاتكم فإن إمامكم قد كفر، لأنه تكلم بكلمة الكفر.
يعلق الشيخ أحمد شاكر قائلاً: ولم يدع الله لهذا المجرم جرمه في الدنيا قبل أن يجزيه جزاءه في الأخرى، فأقسمُ بالله لقد رأيته بعيني رأسي بعد بضع سنين، وبعد أن كان عالياً منتفخاً، مستعزًا بمَن لاذ بهم من العظماء والكبراء رأيته مهيناً ذليلاً، خادماً على باب مسجد من مساجد القاهرة، يتلقى نعال المصلين يحفظها في ذلة وصغار، حتى لقد خجلت أن يراني، وأنا أعرفه وهو يعرفني، لا شفقة عليه؛ فما كان موضعاً للشفقة، ولا شماتة فيه؛ فالرجل النبيل يسمو على الشماتة، ولكن لما رأيت من عبرة وعظة .

12- انتقص النبي تزلفًا لنصراني فأهلك الله أهله وأولاده:
ومن قصص المعاصرين كذلك ذات العبر الدالة على الخاتمة السيئة التي تنتظر كل من تطاول وتجرأ على مقام النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، ما ذكره الشيخ محمد صالح المنجد من أن أحدهم ذهب لنيل شهادة الدكتوراه خارج بلده، فلما أتم دراسته وكانت تتعلق بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، طلب منه أستاذه من النصارى أن يسجل في رسالته ما فيه انتقاص للنبي صلى الله عليه وسلم وتعريض له ، فتردد الرجل بين القبول والرفض، واختار في نهاية الأمر دنياه على آخرته، وأجابه إلى ما أراد طمعاً في تلك الشهادة، فما أن عاد إلى بلده حتى فوجئ بهلاك جميع أولاده وأهله في حادث مروع، ولعذاب الآخرة أشد وأنكى .

13- (فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) :
الزمان: الأحد الأول من أغسطس 1993م-الساعة الثانية ظهرًا.
المكان: "ركن الخطباء" فى حديقة "هايد بارك " الشهيرة بوسط العاصمة البريطانية "لندن".
الحدث: اعتاد بعض المسلمين الإنكليز المؤهلين لدعوة بنى جلدتهم الى الاسلام أن يتواجدوا بصفة أسبوعية فى "ركن الخطباء" بالحديقة المذكورة، ليتناوبوا على الخطابة داعين إلى توحيد الله عز وجل، وموضحين حقائق الإسلام، ومفندين شبهات أعدائه، وفى اليوم المذكور وقف الأخ أبو سفيان داعيًا إلى الله عز وجل، فانبرى له رجل بريطانى نصرانى فأخذ يقاطعه ويشوش عليه، ثم تدني إلى ما هو أشنع من ذلك، فطوعت له نفسه أن يلعن ويسب الله عز وجل، والرسول صلى الله عليه وسلم، والاسلام، فلم يمهله الله طرفة عين، وإذا بالخبيث يخر فى الحال على وجهه صريعًا لليدين وللفم بعد أن بال على نفسه، وأخذت الرغوة الكريهة المقززة تنبعث من فمه، وفشلت كل محاولات إسعافه إذ كان قد نفق فى الحال، وأفضى إلى جبار السموات والأرض جل وعلا ،وكان أحد رجال الشرطة البريطانية المخصصين لحفظ الأمن والنظام يراقب الموقف برمته مع الحاضرين عن كثب، فلما نفضوا أيديهم منه ،وآيسوا من حياته، أقبل الشرطى نحو أخينا "أبى سفيان"قائلا له :"هذا ربك قد انتقم منه فى الحال ؟"،فأجابه "أبو سفيان": "نعم هو الله الذى فعل ذلك، فادعوا الروح القدس كي تعيده إلى الحياة إن استطعتم" .

وللمستهزئين بسنة النبي الهادي صلى الله عليه وسلم مثلها:
ومما يلحق بالتطاول على مقام النبي صلى الله عليه وسلم، الاستهزاء بسنته وهديه صلى الله عليه وسلم، وهو ما بليت به الأمة في هذا العصر، وقد حوت كتب السير والتاريخ أمثلة لعاقبة من استهزأ بسنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك:
1- المتكبر على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم:
روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضى الله عنه أن أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ فَقَالَ كُلْ بِيَمِينِكَ قَالَ لَا أَسْتَطِيعُ قَالَ لَا اسْتَطَعْتَ مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ قَالَ فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ .
فهذا صحابي تكبر على أمر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان جزاؤه أن استجاب الله لدعاء نبيه صلى الله عليه وسلم فيه، وأصابه بالشلل، فما الشأن بمن لا يرفع لأوامر وهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسًا.

2- عاقبة المستنكر لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضى الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ أَوْ لَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ .
قال المباركفوي في "تحفة الأحوذي": ".. القول الظاهر الراجح هو حمله على الظاهر ولا حاجة إلى التأويل مع ما فيه .. ويؤيد حمله على الظاهر ما حكي عن بعض المحدثين أنه رحل إلى دمشق لأخذ الحديث عن شيخ مشهور بها فقرأ جملة لكنه كان يجعل بيني وبينه حجابا ولم ير وجهه فلما طالت ملازمته له ورأى حرصه على الحديث كشف له الستر فرأى وجهه وجه حمار فقال له احذر يا بني أن تسبق الإمام فإني لما مر بي الحديث استبعدت وقوعه فسبقت الإمام فصار وجهي كما ترى والله تعالى أعلم" .

3- عاقبة المحاكي الساخر بأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم:
أخرج الحاكم في مستدركه بسنده عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قال : كان فلان يجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء اختلج وجهه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : « كن كذلك » فلم يزل يختلج حتى مات، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

4- عاقبة المستهزئ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم (رجل يلد مثل المرأة):
ومن ذلك ما أورده الحافظ ابن كثير في أحداث عام 665 هجريًا قال: ".. وحكى ابن خلكان فيما نقل من خط الشيخ قطب الدين اليونيني قال: بلغنا أن رجلا يدعى أبا سلامة من ناحية بصرى، كان فيه مجون واستهتار، فذكر عنده السواك وما فيه من الفضيلة، فقال: والله لا أستاك إلا في المخرج - يعني دبره - فأخذ سواكا فوضعه في مخرجه ثم أخرجه، فمكث بعده تسعة أشهر فوضع ولدا على صفة الجرذان له أربعة قوائم، ورأسه كرأس السمكة ، وله دبر كدبر الارنب.
ولما وضعه صاح ذلك الحيوان ثلاث صيحات، فقامت ابنة ذلك الرجل فرضخت رأسه فمات، وعاش ذلك الرجل بعد وضعه له يومين ومات في الثالث، وكان يقول هذا الحيوان قتلني وقطع أمعائي، وقد شاهد ذلك جماعة من أهل تلك الناحية وخطباء ذلك المكان، ومنهم من رأى ذلك الحيوان حيا، ومنهم من رآه بعد موته" .

5- مستهزئ آخر:
ومن قصص العاقبة السيئة للمستهزئين ما أورده الإمام "زين الدين العراقي" في كتابه "طرح التثريب" في تعليقه على حديث: (إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِه، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ)، قال الإمام العراقي: بَلَغَنَا أَنَّ شَخْصًا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ وَأَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ مِنْهُ فَاسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ وَيَدُهُ فِي دَاخِلِ دُبُرِهِ مَحْشُوَّةً فَلَمْ تَخْرُجْ حَتَّى تَابَ عَنْ ذَلِكَ وَأَقْلَعَ.
وعلق الإمام العراقي على هذه الحادثة قائلاً: يَنْبَغِي لِلسَّامِعِ لِأَقْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَلَقَّاهَا بِالْقَبُولِ وَدَفْعِ الْخَوَاطِرِ الرَّادَّةِ لَهَا، وَأَنَّهُ لَا يَضْرِبُ بِهَا الْأَمْثَالَ فَقَدْ ، وَالْأَدَبُ مَعَ أَقْوَالِهِ بَعْدَهُ كَالْأَدَبِ مَعَهُ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ سَمِعَهُ يَتَكَلَّمُ فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَحْفَظَ قُلُوبَنَا مِنْ الْخَوَاطِرِ الرَّدِيئَةِ وَيَرْزُقَنَا الْأَدَبَ مَعَ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

صور أخرى من انتقام الله لنبيه صلى الله عليه وسلم:
ولا تقتصر صور انتقام الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، على ما ذكرناه، بل هناك صور أخرى أشارت إليها الأثار والأحاديث.
- من ذلك أن يحولَ الله عزوجل بين المعتدي وبين ما أراد بخوف يقذفه في قلبه، أو ملكٍ يمنعُهُ مما أراد:
روى أبو نعيم الأصبهاني في "دلائل النبوة" بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه أنّ رجالاً من قريش اجتمعوا في الحجر، ثم تعاقدوا باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ونائلة وإساف أن لو قد رأوا محمدا لقد قمنا إليه مقام رجل واحدٍ فقتلناه قبل أن نفارقه، فأقبلت ابنته فاطمة تبكي حتى دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت : هؤلاء الملأ من قومك لقد تعاهدوا لو قد رأوك قاموا إليك فقتلوك ، فليس منهم رجل واحدٌ إلا قد عرف نصيبه من ديتك، فقال : ( يا بنية اتيني بوضوئي) ، فتوضأ ، ثم دخل عليهم المسجد ، فلما رأوه قالوا : هاهو ذا ، وخفضوا أبصارهم ، وسقطت أذقانهم في صدورهم ، فلم يرفعوا إليه بصراً ، ولم يقم منهم إليه رجل ، فأقبل النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى قام على رؤوسهم ، وأخذ قبضة من التراب ثم قال : (شاهت الوجوه)، ثم حصبهم بها فما أصاب رجلاً منهم من ذلك الحصا حصاةٌ إلا قتل يوم بدر كافراً .

- ومن صور حمايةِ الله لخليله صلى الله عليه وسلم كذلك، صرف الشتم والذّمّ والاستهزاءَ إلى غيره، فإذا بالمستهزئ يريدُ أن يشتمَهُ فيشتمَ غيره من حيث لا يشعر:
روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ .
قال ابن حجر في فتح الباري: كان الكفار من قريش من شدة كراهتهم في النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمونه باسمه الدال على المدح فيعدلون إلى ضده فيقولون مذمم، وإذا ذكروه بسوء قالوا فعل الله بمذمم، ومذمم ليس هو اسمه ولا يعرف به فكان الذي يقع منهم في ذلك مصروفا إلى غيره.
ومن ذلك ما رواه ابن حبان والحاكم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قالوا: لما نزلت: (تبت يدا أبي لهب وتب) أقبلت العوراء أم جميل، ولها ولولة، وفي يديها فهر ، وهي تقول: (مذمما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا) والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر رضي الله عنه الى جنبه فقال أبو بكر: لقد أقبلت هذه، وأنا أخاف أن تراك، فقال: (إنها لن تراني)، وقرأ قرآنا فاعتصم به، كما قال تعالى: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) (الإسراء 45) فجاءت حتى أقامت على أبي بكر فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أبن الذي هجاني وهجا زوجي، فقال: لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولت، وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها، وفي لفظ: يا أبا بكر، ما شأن صاحبك ينشد في الشعر، بلغني أن صاحبك هجاني.
فقال أبو بكر: والله ما صاحبي بشاعر ولا هجاك، فقالت: أليس قد قال: (في جيدها حبل من مسد)، فما يدريه ما في جيدي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قل لها: هل ترين عندي أحدا، فانها لن تراني، جعل الله بيني وبينها حجابا)، فسألها أبو بكر، فقالت: أتهزأ بي والله، ما أرى عندك أحد، فانصرفت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله، إنها لم ترك، فقال: (حال بيني وبينها جبريل، يسترني بجناحيه حتى ذهبت) .






نصرة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم على أيدي أتباعه:
ومن أكبر صور نصرة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، أن ينصره الله على أيدى أتباعه الذين يهبون للدفاع عنه صلى الله عليه وسلم وعن سنته ضد أعدائه وشائنيه، فقد يكفي الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يسلط على المستهزئ المعتدي رجلاً من المؤمنين يثأر لنبيه صلى الله عليه وسلم، وقد حملت كتب الصحاح والسير الكثير من الأخبار في هذا الشأن، وهو ما نتعرض له في هذا الفصل.

1- الجن تنتصر للرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم:
وقبل إيراد الوقائع المشهورة في الانتصار للنبي المختار صلى الله عليه وسلم، نبدأ بأعجب وأطرف ما ورد في هذا الأمر، وهو انتصار الجن المؤمن للنبي صلى الله عليه وسلم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الرائع ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ): " .. وقد ذكروا أن الجنَّ الذين آمنوا به كانت تقصد من يسبه من الجن الكفار فتقتله قبل الهجرة وقبل الإذن في القتال له وللأنس، فيقرها على ذلك، ويشكر ذلك لها.
قال سعيد بن يحيى الأموي في مغازيه: حدثني محمد بن سعيد ـ يعني عمه ـ قال: قال محمد بن المُنْكَدِر: إنه ذُكِر له عن ابن عباس أنه قال: هتف هاتف من الجن على جبل أبي قبيس، فقال:
قَـبَّحَ اللهُ رَأْيَكُـمْ آلَ فِـهْرٍ مَـا أَدَقَّ العُقُولَ وَ الأَحْلامِ
حِيْنَ تُغْضِي لـمنْ يَعِيْبُ عَلَيْهَا دِيْـنَ آبَائِها الحُْمَاةِ الكِرَامِ
حَالَفَ الجِنّ جِنّ بُصْرَى عَلَيْكُمْ وَ رِجَـال النَّخِيْلِ و الآطَامِ
تُوشِكُ الْـَخيْلُ أنْ تَرَوْهَا نَهَاراً تَقْـتُلُ القَوْمَ فِي حرامِ تِهَامِ
هَلْ كَـرِيمٌ مِنْكُمْ لَهُ نَفْسُ حُرٍّ مَاجِدُ الْجَـدَّتَيْنِ و الأَعْمَامِ
ضَـارِباً ضَـرْبَةً تَكُونُ نَكَالاً وَ رَوَاحـاً مِنْ كُرْبَةٍ وَاغْتِنَامِ
قال ابن عباس: فأصبح هذا الشعر حديثاً لأهل مكة، يتناشدوه بينهم، فقال رسول الله e: "هَذَا شَيْطَانٌ يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الأَوثَان يُقَالُ لَهُ: مِسْعَر، وَاللهُ مُخْزِيهِ" فمكثوا ثلاثة أيام فإذا هاتف يهتف على الجبل يقول:
نَحْنُ قَتَلْنَا فِي ثَلاثٍ مِسْعَرَاً إِذْ سَفَّهَ الْحَقَّ وَسَنَّ الْمُنكَرَا
قَنَّعْتُُهُ سَيْفاً حُسـَاماً مُبَتّراً بِشَتْـمِهِ نَبِيِّـنَا المُطَـهَّرَا
فقال رسول الله e: "هَذَا عِفْرِيتٌ مِن الجِنَّ اسْمُه سَمْحَج، آمَنَ بِي، سَمَّيتُهُ عَبْدَاللهِ، أَخْبَرنِي أَنَّهُ فِي طَلَبِهِ مُنْذُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ"، فقال علي: جزاه الله خيرا يا رسول الله.. " .

2- أسد الله وفرعون هذه الأمة:
من الصور التي خلدتها كتب التاريخ والسير في الانتصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قصة حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرعون هذه الأمة "أبي جهل" عندما تطاول على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
روى ابن هشام في السيرة النبوية عن ابن إسحاق قال: حدثني رجل من أسلم، كان واعية أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا، فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعيف لأمره فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك منه، ثم انصرف عنه فعَمَد إلى ناد من قريش عند الكعبة، فجلس معهم.
فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أن أقبل متوشحا قوسه راجعا من قنص له وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم وكان أعز فتى في قريش، وأشد شكيمة، فلما مر بالمولاة وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته قالت له يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم بن هشام وجده هاهنا جالسا فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وسلم.
فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته فخرج يسعى ولم يقف على أحد، معدا لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجة منكرة ثم قال أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول ؟ فرد ذلك علي إن استطعت.
فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقال أبو جهل دعوا أبا عمارة فإني والله قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا ، وتم حمزة رضي الله عنه على إسلامه وعلى ما تابع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله.
فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع وأن حمزة سيمنعه فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه" .
وهكذا نرى أن الله ينصر نبيه صلى الله عليه وسلم ودينه بالرجل الفاجر – مثلما كان حمزة رضى الله عنه قبل أن يسلم، إلا إننا نرى كذلك في قصة إسلام حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه كيف أن التطاول والاستهزاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم سببًا للنصر، وهو ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الصارم المسلول"، وأكد الكثير من العلماء أنه إذا سُب الرسول صلى الله عليه وسلم فانتظر النصر المأمول.

3- أشبال الإسلام ينتقمون من فرعون الأمة:
ظل "أبو جهل" يمثل العدو الأول والأخطر للإسلام حتى أنهى حياته شبلان من أشبال الإسلام ساءهما تطاول "أبي جهل" على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة وسبه له بعد الهجرة إلى المدينة، فقرر الشبلان الانتقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا قَالَ فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ مِثْلَهَا قَالَ فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَزُولُ فِي النَّاسِ فَقُلْتُ أَلَا تَرَيَانِ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ قَالَ فَابْتَدَرَاهُ فَضَرَبَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا حَتَّى قَتَلَاهُ ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ أَيُّكُمَا قَتَلَهُ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا قَتَلْتُ فَقَالَ هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا قَالَا لَا فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ كِلَاكُمَا قَتَلَهُ وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَالرَّجُلَانِ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَمُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مهتم بالغ الاهتمام بمصرع "أبي جهل"، روى البخاري في صحيحه عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ قَالَ أَأَنْتَ أَبُو جَهْلٍ قَالَ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ قَالَ وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ أَوْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ
قال ابن حجر في "فتح الباري":" .. وفي حديث ابن عباس عند ابن إسحاق والحاكم "قال ابن مسعود: فوجدته بآخر رمق، فوضعت رجلي على عنقه فقلت: أخزاك الله يا عدو الله، قال: وبما أخزاني ؟ هل أعمد رجل قتلتموه، قال: ثم احتززت رأسه فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : هذا رأس عدو الله أبي جهل ، فقال : والله الذي لا إله إلا هو ؟ فحلف له " وفي زيادة المغازي رواية يونس بن بكير من طريق الشعبي عن عبد الرحمن بن عوف نحو الحديث الذي بعده وفيه " فحلف له ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم انطلق حتى أتاه فقام عنده فقال : الحمد لله الذي أعز الإسلام وأهله " ثلاث مرات".
لقد كانت خاتمة "أبي جهل" فرعون هذه الأمة على أيدى شبلين من أشبال الإسلام، اهتما لما عرفا من تطاوله وسبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فندبا أنفسهما لمهمة قتله، وهي مهمة بالغة الخطورة فقد كان فرسان قريش يحيطون بأبي جهل في المعركة ويحرسونه حتى لا يخلص إليه المسلمون، غير أن ذلك لم يحول بين معاذ ومعود ابني عفراء وهدفهما السامي.
إن الأمة في حاجة اليوم إلى تربية أبنائها وشبابها ليكونا مثل معاذ ومعوذ؛ ثوابتهما واضحة وأهدافهما سامية يضحيان في سبيله بالغالي والنفيس.

4- مقتل كعب بن الأشرف:
ومن قصص نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي سارت بها الركبان، قصة مقتل اليهودي كعب بن الأشرف الذي كان يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعره ويشبب بنساء المسلمين، فانتدبت له مجموعة من المسلمين انتقموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلصوا المسلمين من هذا العدو الخطير.
روى الإمام البخاري ومسلم في صحيحهما بسنده عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا قَالَ قُلْ فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا وَإِنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ قَالَ وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ قَالَ إِنَّا قَدْ اتَّبَعْنَاهُ فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ، فَقَالَ نَعَمِ ارْهَنُونِي قَالُوا أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ قَالَ ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ قَالُوا كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ قَالَ فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ قَالُوا كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَالُ رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ - يَعْنِي السِّلَاحَ - فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَجَاءَهُ لَيْلًا وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحِصْنِ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ قَالَتْ أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ قَالَ إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لَأَجَابَ قَالَ وَيُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ فَقَالَ إِذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوهُ وَقَالَ مَرَّةً ثُمَّ أُشِمُّكُمْ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا وَهُوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رِيحًا أَيْ أَطْيَبَ قَالَ عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَأَكْمَلُ الْعَرَبِ فَقَالَ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ رَأْسَكَ قَالَ نَعَمْ فَشَمَّهُ ثُمَّ أَشَمَّ أَصْحَابَهُ ثُمَّ قَالَ أَتَأْذَنُ لِي قَالَ نَعَمْ فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ قَالَ دُونَكُمْ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ .
وهذا حديث عظيم وقصة جليلة، تدل كيف أن القرابات لم تكن حائلاً بين المسلمين الأوائل والانتصار لنبيهم صلى الله عليه وسلم، فمحمد بن مسلمة رضى الله عنه الذي تولى أمر هذه المهمة كان ابن أخت كعب بن الأشرف، وأبو نائلة الرجل الثاني من هذه المهمة كان أخو كعب من الرضاعة، أم "كعب بن الأشرف" فقد كان من أشد أعداء الإسلام في المدينة النبوية حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب المسلمين لقتله، روى أبو داود في سننه: أن كعب بن الأشرف كان شاعرا ، وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط. فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم استصلاحهم ، وكان اليهود والمشركون يؤذون المسلمين أشد الأذى ، فأمر الله رسوله والمسلمين بالصبر . فلما أبى كعب أن ينزع عن أذاه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطا ليقتلوه" .
وذكر ابن حجر في فتح الباري أن كعب بن الأشرف قدم على مشركي قريش فحالفهم عند أستار الكعبة على قتال المسلمين، ومن طريق أبي الأسود عن عروة "أنه كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ويحرض قريشا عليهم، وأنه لما قدم على قريش قالوا له: أديننا أهدى أم دين محمد؟ قال: دينكم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من لنا بابن الأشرف فإنه قد استعلن بعداوتنا"
ووجدت في " فوائد عبد الله بن إسحاق الخراساني " من مرسل عكرمة بسند ضعيف إليه لقتل كعب سببا آخر ، وهو أنه صنع طعاما وواطأ جماعة من اليهود أنه يدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوليمة فإذا حضر فتكوا به ، ثم دعاه فجاء ومعه بعض أصحابه ، فأعلمه جبريل بما أضمروه بعد أن جالسه ، فقام فستره جبريل بجناحه فخرج ، فلما فقدوه تفرقوا ، فقال حينئذ : من ينتدب لقتل كعب . ويمكن الجمع بتعدد الأسباب" أ.هـ.
وقد سر رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جاءه نبأ مقتل كعب بن الأشرف، روى ابن سعد في الطبقات: "فلما بلغوا (محمد بن مسلمة ومن معه) بقيع الغرقد كبروا، وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي، فلما سمع تكبيرهم كبر ، وعرف أن قد قتلوه ، ثم انتهوا إليه فقال : أفلحت الوجوه ، فقالوا : ووجهك يا رسول الله ، ورموا رأسه بين يديه ، فحمد الله على قتله" .
وقد استفاد العلماء من هذه القصة فوائد عديدة لا مجال لذكرها، غير أن أهم فائدة متعلقة بموضوعنا هي قتل المعاهد إذا سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الطعن في الدين سبب من أسباب نقض العهد بين المسلمين والكافرين، فقد كان كعب بن الأشرف معاهدًا إلا إن هجائه وسبه للرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم كان سببًا واضحًا لأن يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى قتله كما جاء في أول القصة "من لكعب بن الأشرف، فإنه قد آذى الله ورسوله"، فلذلك فإن قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الدول المعتدية على مقام النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم لهو أقل صور نصرة النبي العدنان عليه الصلاة والسلام.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية قصة مقتل كعب بن الأشرف في كتابه الماتع "الصارم المسلول" وقد أوفى في شرحها ومناقشة بعض الشبهات المتعلقة بها، فجزاه الله خيرًا.

5- مقتل سلام بن أبي الحُقيق:
ومن صور نصرة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم كذلك مقتل تاجر الحجاز "أبي رافع سلام بن أبي الحقيق" اليهودي والذي كان يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى الإمام البخاري في صحيحه عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعِينُ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ وَقَدْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَرَاحَ النَّاسُ بِسَرْحِهِمْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَصْحَابِهِ اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ وَمُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ لَعَلِّي أَنْ أَدْخُلَ فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنْ الْبَابِ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ فَادْخُلْ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ فَدَخَلْتُ فَكَمَنْتُ فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ أَغْلَقَ الْبَابَ ثُمَّ عَلَّقَ الْأَغَالِيقَ عَلَى وَتَدٍ قَالَ فَقُمْتُ إِلَى الْأَقَالِيدِ فَأَخَذْتُهَا فَفَتَحْتُ الْبَابَ وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ وَكَانَ فِي عَلَالِيَّ لَهُ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ أَهْلُ سَمَرِهِ صَعِدْتُ إِلَيْهِ فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا أَغْلَقْتُ عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ قُلْتُ إِنْ الْقَوْمُ نَذِرُوا بِي لَمْ يَخْلُصُوا إِلَيَّ حَتَّى أَقْتُلَهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ عِيَالِهِ لَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ مِنْ الْبَيْتِ فَقُلْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ قَالَ مَنْ هَذَا فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ وَأَنَا دَهِشٌ فَمَا أَغْنَيْتُ شَيْئًا وَصَاحَ فَخَرَجْتُ مِنْ الْبَيْتِ فَأَمْكُثُ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ فَقَالَ لِأُمِّكَ الْوَيْلُ إِنَّ رَجُلًا فِي الْبَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ بِالسَّيْفِ قَالَ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ وَلَمْ أَقْتُلْهُ ثُمَّ وَضَعْتُ ظِبَةَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ فَعَرَفْتُ أَنِّي قَتَلْتُهُ فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الْأَبْوَابَ بَابًا بَابًا حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ فَوَضَعْتُ رِجْلِي وَأَنَا أُرَى أَنِّي قَدْ انْتَهَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ فَوَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فَانْكَسَرَتْ سَاقِي فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى الْبَابِ فَقُلْتُ لَا أَخْرُجُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ أَقَتَلْتُهُ فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ قَامَ النَّاعِي عَلَى السُّورِ فَقَالَ أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الْحِجَازِ فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقُلْتُ النَّجَاءَ فَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ أَبَا رَافِعٍ فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ ابْسُطْ رِجْلَكَ فَبَسَطْتُ رِجْلِي فَمَسَحَهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ أَشْتَكِهَا قَطُّ .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في فتح الباري: " .. وفي هذا الحديث من الفوائد جواز اغتيال المشرك الذي بلغته الدعوة وأصر، وقتل من أعان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أو ماله أو لسانه، وجواز التجسيس على أهل الحرب وتطلب غرتهم.
والأخذ بالشدة في محاربة المشركين، وجواز إبهام القول للمصلحة، وتعرض القليل من المسلمين للكثير من المشركين؛ والحكم بالدليل والعلامة لاستدلال ابن عتيك على أبي رافع بصوته، واعتماده على صوت الناعي بموته".

6- أعمي يقتل جاريته لتطاولها على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وهذه قصة صحابي آخر فقد بصره إلا إنه لم يفقد بصيرته، كان لديه جارية غير مسلمة تخدمه وتقوم بشأنها إلا إنها لم تكن تقلع عن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم تطب نفس هذا الصحابي الجليل رضى الله عنه إلا بقتلها.
روى أبو داود والنسائي في سننهما عن ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ فَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي وَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ قَالَ فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشْتُمُهُ فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ فَلَطَّخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ فَقَامَ الْأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا صَاحِبُهَا كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ .
قال صاحب عون المعبود: ".. وفيه دليل على أن الذمي إذا لم يكف لسانه عن الله ورسوله فلا ذمة له فيحل قتله، قاله السندي.
قال المنذري: وأخرجه النسائي فيه أن ساب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل وقد قيل إنه لا خلاف في أن سابه من المسلمين يجب قتله وإنما الخلاف إذا كان ذميا، فقال الشافعي يقتل وتبرأ منه الذمة، وقال أبو حنيفة لا يقتل ما هم عليه من الشرك أعظم، وقال مالك من شتم النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى قتل إلا أن يسلم انتهى كلام المنذري".
وهذا الحديث دليل على أن الذمي أو المعاهد ينقض عهده وأمانه بالتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تعرضنا لهذا الأمر في فصل "حكم الساب المتطاول".

7- لا ينتطح فيها عنزان:
ومن قصص النصرة كذلك، قصة مقتل العَصْماء بنت مروان التي كانت تهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الصارم المسلول": " .. رُوي عن ابن عباس قال: هَجَتِ امرأة من خَطْمَةَ النبي e، فقال: "مَنْ لِي بِهَا؟" فقال رجل من قومها: أنا يا رسول الله، فنهض فقتلها، فأخبر النبي e، فقال: "لاَ يَتنْتَطِحُ فِيْهَا عَنْزَانَ".
وقد ذكر بعض أصحاب المغازي وغيرهم قصتها مبسوطة.
قال الواقدي: "حدثني عبدالله بن الحارث بن الفضيل عن أبيه أن عَصْماءَ بنت مَرْوَان من بني أمية كانت تحت يزيد بن زيد ابن حِصْن الخَطْمِيِّ، وكانت تؤذي النبي e، وتعيب الإسلام وتحرض على النبي e، وقالت شعراً:
فَبِأْسْتِ بني مَالكٍ و النَّبِيتِ و عَوْفٍ، وبأْسْتِ بَني الخزْرجِ
أطعتم أتَاوِيَّ مِـنْ غَيرِكُم فَـلاَ مِنْ مُـرَادٍ ولا مَذْحِجِ
تُرَجُّونَهُ بعد قَـتلِ الرؤوسِ كما يُرْتَـجَى مَـرقُ المُنْضَجِ
قال عُمَيْر بن عدي الخطمي حين بلغه قولها وتحريضها: اللهم إن لك عليَّ نذراً لئن رددت رسول الله e إلى المدينة لأقتلنها، ورسول الله e يومئذٍ ببدر، فلما رجع النبي e من بدر جاءها عُمَيْر بن عدي في جوف الليل حتى دخل عليها في بيتها وحولها نفرٌ من ولدها نيام منهم من ترضعه في صدرها، فجسها بيده، فوجد الصبي ترضعه، فنحَّاه عنها، ثم وضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها، ثم خرج حتى صلى الصبح مع النبي e، فلما انصرف النبي e نظر إلى عمير فقال: "أقتلتَ بنت مروان؟" قال: نعم، بأبي أنت يا رسول الله، وخشي عُمير أن يكون افتات على رسول الله e بقتلها، فقال هل عَلَيَّ في ذلك شيء يا رسول الله؟ قال: "لاَ يَنْتَطِحُ فِيْهَا عَنْزَانِ" ؛ فإن أول ما سُمِعت هذه الكلمة من النبي رسول الله e، قال عمير: فالتفت النبي رسول الله e إلى مَنْ حوله فقال: "إِذَا أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَنْظُرُوا إِلَى رَجُلٍ نَصَرَ اللهَ وَرَسُولَهُ بِالغَيْبِ فَانْظُرُوا إِلَى عُمَيْر بنِ عَدِيِّ" فقال عمر بن الخطاب: انظروا إلى هذا الأعمى الذي تسرَّى في طاعة الله، فقال: "لا تقل الأعمى، ولكنه البصير".
فلما رجع عمير من عند رسول الله e وجد بنيها في جماعة يدفنونها، فأقبلوا إليه حين رأوه مقبلاً من المدينة، فقالوا: يا عمير أنت قتلتها؟ فقال: نعم فكيدوني جميعاً ثم لا تُنْظِرُون، فوالذي نفسي بيده لو قلتم بأجمعكم ما قالت لضربتكم بسيفي هذا حتى أموتَ أو أقتلكم، فيومئذٍ ظهر الإسلام في بني خطمة، وكان منهم رجال يَسْتَخْفُون بالإسلام خوفاً من قومهم" .
فهذا صحابي آخر من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد البصر إلا إنه لم يفقد إيمانه وحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنذر أن ينتقم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه المرأة السليطة، ووفى بنذره، وكان مقتل تلك المرأة فتحًا للمسلمين حيث انتشر الإسلام بين قومها، وأعلن به من كان مستخف من قبل.

8- مقتل "أبي عفك اليهودي":
ومن القصص التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية كذلك في "الصارم المسلول" قصة مقتل أبي عَفَكٍ اليهودي، حيث قال شيخ الإسلام: " .. قال الواقدي: ثنا سعيد بن محمد عن عُمارة بن غَزِيّة، وحدثناه أبو مُصْعب إسماعيل بن مُصْعب بن إسماعيل بن زيد بن ثابت عن أشياخه، قالا: إن شيخاً من بني عمرو بن عَوْف يقال له: أبو عَفَكٍ ـ وكان شيخاً كبيراً قد بلغ عشرين ومائة سنة حين قدم النبيُّ e المدينة ـ يُحَرِّض على عَدَاوة النبي e، ولم يدخل في الإسلام، فلما خرج رسول الله e إلى بَدْرٍ ظفَّرهُ الله بما ظفره، فحسَدَهُ وبَغَى، فقال: (وذكر قصيدة تتضمن هجو النبي e وذمَّ من اتبعه، أعظم ما فيها قوله):
فيسلبهم أمْرَهُم رَاكبٌ حراماً حلالاً لشَتَّى معاً
قال سالم بن عُمَيْر: عليَّ نذر أن أقتل أبا عَفَكٍ أو أموتَ دونه، فأُمِهل، فطلب له غِرَّةً حتى كانت ليلة صائفة، فنام أبو عَفَكٍ بالفِنَاء في الصيف في بني عمرو بن عَوْفٍ، فأقبل سالم بن عُمَيْر، فوضع السيف على كبدِهِ حتى خَشَّ في الفراش، وصاح عدو الله، فثاب إليه أناس ممن هم على قوله، فأدخلوه منزله وقبروه، وقالوا: مَن قتله؟ والله لو نعلم من قتله لقتلناه به" .
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن جميع يهود المدينة ومن بينهم "ابن عفك" قد عاهدوا المسلمين، غير أن "ابن عفك" لما هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأظهر الذم قتل، مما يؤكد أن حد الساب القتل سواء أكان مسلمًا أو ذميًا أو معاهدًا.

9- رأس المنافقين:
ومن القصص الرائعة التي تظهر كيف أن الصحابة رضوان الله عليهم ضحوا بالغالي والنفيس من أجل نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة عبد الله بن أبي بن سلول "رأس المنافقين" مع ابنه "عبد الله"، روى الترمذي في سننه عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ َقُالُ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَالِلْمُهَاجِرِينَ وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَالِلْأَنْصَارِ فَسَمِعَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ قَالُوا رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَسَعَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ فَسَمِعَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولٍ فَقَالَ أَوَقَدْ فَعَلُوهَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَاللَّهِ لَا تَنْقَلِبُ حَتَّى تُقِرَّ أَنَّكَ الذَّلِيلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَزِيزُ فَفَعَلَ.
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وقد روى الطبري القصة بشيء من البسط في تفسيره؛ روى الطبري بسنده عن عكرمة أن عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ بن سلول كان يقال له حباب، فسماه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عبد الله، فقال: يا رسول الله إن والدي يؤذي الله ورسوله، فذرني حتى أقتله ، فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: "لا تَقْتُلْ أبَاكَ عَبْدَ اللهِ"، ثم جاء أيضًا فقال: يا رسول الله إن والدي يؤذي الله ورسوله، فذرني حتى أقتله ، فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: لا تَقْتُلْ أباك"، فقال: يا رسول الله فتوضأ حتى أسقيه من وضوئك لعلّ قلبه أن يلين، فتوضأ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأعطاه، فذهب به إلى أبيه فسقاه، ثم قال له: هل تدري ما سقيتك؟ فقال له والده نعم، سقيتني بول أمك، فقال له ابنه: لا والله، ولكن سقيتك وضوء رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ قال عكرمة: وكان عبد الله بن أُبيّ عظيم الشأن فيهم. وفيهم أنزلت هذه الآية في المنافقينإِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ frown.gif هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ) وهو الذي قالإِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ frown.gif لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ ) قال : فلما بلغوا المدينة، مدينة الرسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ومن معه، أخذ ابنه السيف ، ثم قال لوالده: أنت تزعم "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذلّ"، فوالله لا تدخلها حتى يأذن لك رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
وجاء في رواية أخرى: ".. أن عبد الله بن عبد الله بن أُبي أتى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أُبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان فيها رجل أبرّ بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر به غيره فيقتله، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أُبيّ يمشي في الناس فأقتلَه، فأقتل مؤمنًا بكافر، فأدخلَ النارَ؛ فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " بَلْ نَرْفُقْ بِهِ وَنُحِسنْ صُحْبَتَهُ مَا بَقِيَ مَعَنَا" .

10- عاقبة الصليبى الشهير أرناط أمير الكرك:
ومن صور انتصار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم على يد أتباعه، انتقام السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله من الأمير الصليبي "رينالد دي شاتيون" المشهور في المراجع العربية باسم "أرناط"، وكان أرناط من أشد الصليبيين عداوة وغدراً وحقداً على الإسلام والمسلمين، قضى حياته كلها في محاربة المسلمين تديناً منه، ووقع في الأسر عدة مرات، ويفتدى نفسه ليخرج لمحاربة المسلمين مرة أخرى، وكان أميراً على حصن الكرك وكان دائم الإغارة على قوافل المسلمين، وذات مرة هاجم أرناط قافلة حجاج مسلمين فقتلهم وسرق متاعهم وأثناء اقترافه هذه الجريمة الشنيعة أخذ في سب النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول للمسلمين "أين محمدكم لينقذكم؟".
وقد فكر هذا الخنزير الأحمق في الهجوم على مكة والمدينة النبوية وأعد أسطولاً لذلك وقام بغارات مجرمة على قوافل الحجيج، فأقسم "صلاح الدين" على أن يقتل هذا الكلب بيده إذا ظفر بيده، وجاء يوم الوفاء يوم "حطين" العظيم سنة 583 هجرية، يقول ابن خلكان في وفيان الأعيان: " .. وأما البرنس أرناط فإن السلطان كان قد نذر أنه إن ظفر به قتله، وذلك لأنه كان قد به عبر عند الشوبك قوم من الديار المصرية في حال الصلح فغدر بهم وقتلهم، فناشدوه الصلح الذي بينه وبين المسلمين، فقال ما يتضمن الاستخفاف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبلغ السلطان فحملته حميته ودينه على أن يهدر دمه.
ولما فتح الله تعالى عليه بنصره جلس في دهليز الخيمة لأنها لم تكن نصبت بعد، وعرضت عليه الأسارى، وسار الناس يتقربون إليه بمن في أيديهم منهم، وهو فرح بما فتح الله تعالى على يده للمسلمين، ونصبت له الخيمة فجلس فيها شاكراً لله تعالى على ما أنعم به عليه، واستحضر الملك جفري وأخاه البرنس أرناط، وناول السلطان جفري شربة من جلاب وثلج فشرب منها، وكان على أشد حال من العطش، ثم ناولها البرنس؛ وقال السلطان للترجمان: قل للملك أنت الذي سقيته، وإلا أنا فما سقيته. وكان من جميل عادة العرب وكريم أخلاقهم أن الأسير إذا أكل أو شرب من مال من أسره أمن، فقصد السلطان بقوله ذلك، ثم أمر بمسيرهم إلى موضع عينه لهم، فمضوا بهم إليه فأكلوا شيئاً، ثم عادوا بهم، ولم يبق عنده سوى بعض الخدم فاستحضرهم، وأقعد الملك في دهليز الخيمة، واستحضر البرنس أرناط وأوقفه بين يديه وقال له: ها أنا أنتصر لمحمد منك، ثم عرض عليه الإسلام فلم يفعل، فسل النيمجاه فضربه بها فحل كتفه وتمم قتله من حضر، وأخرجت جثته ورميت على باب الخيمة. فلما رآه الملك على تلك الحال لم يشك في أنه يلحقه به، فاستحضره وطيب قلبه وقال له: لم تجر عادة الملوك أن يقتلوا الملوك. وأما هذا فإنه تجاوز الحد وتجرأ على الأنبياء صلوات الله عليهم، وبات الناس في تلك الليلة على أتم سرور، ترتفع أصواتهم بحمد الله وشكره وتهليله وتكبيره، حتى طلع الفجر" .

11- عاقبة شاتم الرسول (القربان الصليبي):
ومن الوقائع الرائعة كذلك ما حكاه ابن خلكان في وفيات الأعيان: " .. لما وقع الحصار على مدينة دمياط اتفق أن علجاً منهم، لعنه الله، قد ألهج لسانه بسبب النبي صلى الله عليه وسلم، معلناً به على خنادقهم، ومنكياً لمن يليهم من حرس الإسلام ورجالهم، وكان أمره قد استفحل، وداء اشتهاره بهذه العظيمة قد أعضل، وقد جعل هذا الأمر ديدن جهاده، وذهب عنه أن الله تعالى ينتقم لنفسه من عتو هذا اللعين وعناده.
فلما كانت الوقعة المشهورة في شعبان من سنة عشرة التي أسر فيها أعلاج الكفر وجنودهم، وأفاء الله على أهل دينه عدوهم وعديدهم، واستولى منهم على ما يناهز ألفي فارس، عرف هذا العلج في جملة من اشتمل عليه الاستيلاء منهم حصراً وعداً، وعوجل بعقوبة كفره الذي تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا؛ فلما صفد في وثاقه، وخرست شقاشق شقاقه، أشعر السلطان الملك الكامل بموضعه، فتنوعت المشورات بصورة قتل هذا الكافر، واللحاق بروحه إلى الجحيم التي هي مأوى الفاجر، فصمم الملك الكامل على إرسال هذا العلج مع من يوصله إلى والي المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وإشعاره بأمره، وأن يباشر بذلك المحل الشريف تطهير الأرض من كفره. فما وصل أقيم بين يدي الضريح المطهر، ونوجي ذلك المحل الأطهر، وذلك في عيد الفطر من السنة المذكورة، وقيل: يا رسول الله: هذا عدو لله وعدوك، والمصرح في ملة كفره بسبك وسبب صاحبك، قد أرسله محمد سلطان مصر ليقتل بين يديك، ويشكر الله لما وفقه من مجاهدة الشرك الذين كفروا بما أنزل إليك، ورام أن يجعله عبرة لمن انتهك حرمتك واجترأ عليك، فتهادته أيدي المنايا ضرباً بالسيوف، وفرح المؤمنون بنصر الله لدينه على طوائف الشرك وأن رغمت منها الأنوف، والحمد لله رب العالمين .

12- "الصارم المسلول" والانتصار للرسول صلى الله عليه وسلم:
ومن أبرز صور نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليف الرسائل والكتب في الذب والدفاع عن سيد البشر وخير البرية صلى الله عليه وسلم، ولعل من أبرز صور ذلك الأمر، تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لكتابه الرائع "الصارم المسلول على شاتم الرسول" فسبب تأليف هذا الكتاب تطاول نصراني على مقام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
ذكر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية هذه القصة في أحداث سنة 693 هجريًا فقال: " .. واقعة عساف النصراني: كان هذا الرجل من أهل السويداء، قد شهد عليه جماعة أنه سب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد استجار عساف هذا بابن أحمد بن حجى أمير آل علي ، فاجتمع الشيخ تقي الدين بن تيمية ، والشيخ زين الدين الفارقي شيخ دار الحديث ، فدخلا على الأمير عز الدين أيبك الحموي نائب السلطنة فكلماه في أمره فأجابهما إلى ذلك ، وأرسل ليحضره فخرجا من عنده ومعهما خلق كثير من الناس ، فرأى الناس عسافاً حين قدم ومعه رجل من العرب فسبوه وشتموه.
فقال ذلك الرجل البدوي: هو خير منكم - يعني النصراني - فرجمهما الناس بالحجارة، وأصابت عسافاً ووقعت خبطة قوية فأرسل النائب فطلب الشيخين ابن تيمية والفارقي فضربهما بين يديه، ورسم عليهما في العذراوية، وقدم النصراني فأسلم، وعقد مجلس بسببه، وأثبت بينه وبين الشهود عداوة، فحقن دمه .
ثم استدعى بالشيخين فأرضاهما وأطلقهما، ولحق النصراني بعد ذلك ببلاد الحجاز، فاتفق قتله قريباً من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتله ابن أخيه هنالك ، وصنف الشيخ تقي الدين بن تيمية في هذه الواقعة كتابه " الصارم المسلول على ساب الرسول" .أ.هـ.

كيف ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟:
نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب وفرض عين على كل مسلم، فلا يصح إيمان مسلم لم ينصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن من حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم المتحتمة على كل مسلم نصرته والتضحية بروحه وحياته من أجله.
يقول الله تعالي: " إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (الفتح 8-9).
يقول الإمام الطبري في تفسيره: (..ومعنى التعزير في هذا الموضع: التقوية بالنُّصرة والمعونة، ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال .. ، فأما التوقير: فهو التعظيم والإجلال والتفخيم" .
وقال البقاعي في "نظم الدرر:".. { ويعزروه } أي يعينوه ويقووه وينصروه على كل من ناواه ويمنعوه عن كل من يكيده، مبالغين في ذلك باليد واللسان والسيف ، وغير ذلك من الشأن فيؤثروه على أنفسهم وغيرها، تعظيماً له وتفخيماً - هذا حقيقة المادة..
{ ويوقروه } أي يجتهدوا في حسن اتباعه في تبجيله وإجلاله بأن يحملوا عنه جميع الأثقال ، ليلزم السكينة باجتماع همه وكبر عزمه لزوال ما كان يشعب فكره من كل ما يهمه.." .
وقال شيخ الإسلام: ".. ومن ذلك : أن الله أمر بتعزيره وتوقيره فقال: وَتُعَزَّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ والتعزير: اسم جامعٌ لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير: اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما فيه سكينةٌ وطمأنينةٌ من الإجلال والإكرام وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كلِّ ما يخرجه عن حد الوقار"
وقال تعالى: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .
قال الإمام الطبري في تفسيره: ".. "وعزَّروه"، يقول: وَقَّروه وعظموه وحَمَوه من الناس، كما: حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: "وعزروه"، يقول: حموه وقَّروه.
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثني موسى بن قيس، عن مجاهد: "وعزروه ونصروه" : "عزَّروه"، سدَّدوا أمره، وأعانوا رَسُوله= "ونَصَرُوه".
وقوله: "نصروه"، يقول: وأعانوه على أعداء الله وأعدائه، بجهادهم ونصب الحرب لهم = "واتبعوا النور الذي أنزل معه"، يعني القرآن والإسلام، "أولئك هم المفلحون"، يقول: الذين يفعلون هذه الأفعال التي وصف بها جل ثناؤه أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، هم المنجحون المدرِكون ما طلبُوا ورجَوْا بفعلهم ذلك" .
ومن الآيات الدالة كذلك على وجوب نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قوله تعالي: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْوَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌتَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِوَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُبِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة:24.
يقول الحافظ ابن كثير: (.. أمر تعالى رسوله أن يتوعد من آثر أهله وقرابته وعشيرته على الله وعلى رسوله وجهاد في سبيله، فقال: ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا ) أي: اكتسبتموها وحصلتموها ( وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا ) أي: تحبونها لطيبها وحسنها، أي: إن كانت هذه الأشياء ( أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا ) أي: فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله بكم؛ ولهذا قال: ( حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )
وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن لهيعة، عن زهرة بن معبد، عن جده قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال: والله لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه". فقال عمر: فأنت الآن والله أحب إلي من نفسي. فقال رسول الله: "الآن يا عمر" .
انفرد بإخراجه البخاري، فرواه عن يحيى بن سليمان، عن ابن وهب، عن حيوة بن شريح، عن أبي عقيل زهرة بن معبد، أنه سمع جده عبد الله بن هشام، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا ، وقد ثبت في الصحيح عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" " .
وقال تعالي: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:38-40].
لقد أبان الله أن حق الرسول صلى الله عليه وسلم في أمته أن يكون معزرا موقرا مهيبا، وأخبر سبحانه أن الفلاح إنما يكون لمن جمع بين الإيمان به وتعزيره.
قال الحليمي: "فمعلوم أن حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل وأعظم وأكرم وألزم لنا وأوجب علينا من حقوق السادات على مماليكهم والآباء على أولادهم لأن الله تعالى أنقذنا به من النار في الآخرة، وعصم به لنا أرواحنا وأبداننا وأعراضنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا في العاجلة، فهدانا به لما إذا أطعناه فيه أدانا إلى جنات النعيم. فأية نعمة توازي هذه النعم وأية منة تداني هذه المنن. ثم إنه جل ثناؤه ألزمنا طاعته، وتوعدنا على معصيته بالنار. ووعدنا باتباعه الجنة. فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة، وأي درجة تساوي في العلا هذه الدرجة. فحق علينا أن نحبه ونجله ونعظمه ونهابه أكثر من إجلال كل عبد سيده وكل ولد والده. وبمثل هذا نطق القرآن ووردت أوامر الله جل ثناؤه" .
لقد فرض الله تعالى على العباد طاعة محمد صلى الله عليه وسلم، وتعزيره وتوقيره ومحبته والقيام بحقوقه، ونصرته والذبّ عن عرضه، وصيانة شرف منزلته العليا في الخلق أن يمسّها أحد بسوء.
(.. ونصر رسول الله عليه الصلاة والسلام باللسان والسنان والقول والفعل نصراً له في ذات نفسه حماية لعرضه, وصوناً لحرمته, وإرغاماً لأعداءه ومبغضيه, وإجلالاً لمقام النبوة من أي قدح، وقد أجمع العلماء على وجوب قتل من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصاً في نسبه أو دينه... فحكم من أتى بذلك أن يقتل بلا استتابة لأنه آذى رسول الله بما يستوجب إهدار دمه أن كان مسلماً ونقض عهده إن كان ذمي) .
وإذا كانت نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة بهذا الوضوح، فإن قتل سابه وشائنه واجب لا يسقط عن المسلمين، لذلك فإن مجرد اعتذار تلك الصحيفة الدانماركية أو غيرها ممن تطاول على مقام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لا يكفي ولا يعد نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بل لا تتحقق نصرة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بمعاقبة المسئولين عن هذه الجريمة الشنعاء.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول: ".. إن تطهير الأرض من إظهار سب رسول الله e واجب حسب الإمكان؛ لأنه من تمام ظهور دين الله وعلو كلمة الله وكون الدين كله لله، فحيث ما ظهر سبه ولم ينتقم ممن فعل ذلك لم يكن الدين ظاهراً ولا كلمة الله عالية، وهذا كما يجب تطهيرها من الزناة والسُّرَّاق وقُطَّاع الطريق بحسب الإمكان، بخلاف تطهيرها من أصل الكفر فإنه ليس بواجب، لجواز إقرار أهل الكتابين على دينهم بالذمة لأن إقرارهم بالذمة ملتزمين جَرَيان حكم الله ورسوله عليهم لا ينافي إظهار الدين وعلو الكلمة، وإنما تجوز مهادنة الكافر وأمانه عند العجز أو المصلحة المرجوة في ذلك، وكل جناية وجب تطهير الأرض منها بحسب القدرة يتعين عقوبة فاعلها العقوبة المحدودة في الشرع إذا لم يكن لها مستحق معين، فوجب أن يتعين قتل هذا؛ لأنه ليس لهذه الجناية مستحق معين، لأنه تعلق بها حق الله ورسوله وجميع المؤمنين، وبهذا يظهر الفرق بين الساب وبين الكافر، لجواز إقرار ذلك على كفره مستخفياً به ملتزماً حكم الله ورسوله، بخلاف المظهر للسب" .
لذلك فإنه يجب أن يكون واضحًا للمسلمين كافة أن العمل على نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن يستمر حتى تطهر الأرض من التطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن نصر رسول الله e وتعزيره وتوقيره واجب، قتل سابه مشروع كما تقدم، فلو جاز ترك قتله لم يكن ذلك نصراً له ولا تعزيراً ولا توقيراً، بل ذلك أقل نصره؛ فإن لم نتمكن من قتل سابه وشائنه فلا أقل من أن نهب لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل ما نملك وبأقصى ما نستطيع حتى نبذل الوسع في هذا الشأن.
وفيما يلي من صفحات نحاول أن نقدم بعضًا من وسائل نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي كثيرة ولله الحمد، ولن يعدم المسلم إذا صدق إيمانه وصحت إرادته طريقة ووسيلة لنصرة نبيه وشفيعه محمد صلى الله عليه وسلم.

وسائل وأساليب لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم:
إن أساليب نصرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم تتمحور في أغلبها حول محورين أساسين وهدفين رئيسين تسعى هذه الأساليب إلى تحقيقهما:
المحور الأول: هو ترسيخ محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوب أتباعه والتعريف بفضله للمنصفين من مخالفيه، إن غرس محبة النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب المؤمنين والمسلمين والتي يوجد أصله بالطبع أمر هام ويجب استغلال مثل هذه الأحداث التي يتطاول فيها السفهاء على خير البرية صلى الله عليه وسلم، كما أن هذه الأحداث فرصة طيبة حتى يتعرف عليه مخالفوه من أهل الغرب معرفة صحيحة لا تشوبها شائبة، وهي معرفة إن صحت لأحبوه ولدخلوا في زمرة أتباعه.
إن على الخطباء والدعاة استغلال مثل هذه الأحداث في التعريف بفضائل النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه وفضله على الأمة المسلمة والعالم أجمع، ويجب أن يكون هذا التعريف على المستويين الداخلي والخارجي.
المحور الثاني: إعلاء شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاقبة المتطاولين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد بينا في فصل "حكم الساب المتطاول" الحكم الشرعي في ساب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجب على المسلمين اتخاذ إجراءات قوية بحق المتطاولين تتوافق مع هذا الحكم الشرعي، إن الحملة المنظمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
تهدف إلى ترويض المسلمين على الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك شاركت العديد من الصحف الأوروبية في هذه الحملة البتراء، ولا بد من حملة قوية تواجهها تؤكد للشائنين أن المسلمين لا يقبلون التطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في ظل هذين الهدفين تدور أساليب نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتدور وسائل الذب عنه - فداه أبي وأمي -.
وقبل عرض بعض وسائل نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ننبه على نقطتين هامتين:
1- "أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل" :
هكذا يقرر رسول الله صلى الله عليه وسلم منهجًا ربانيًا في العمل والدعوة، فلا يهم حجم العمل بقدر ثباته واستمراره، فإن استمرار عمل ما وإن قل كفيل بتحقيق نتائج باهرة، وإن قطرات من الماء تتساقط باستمرار فوق صخر صلب لكفيلة بتحقيق آثار لا يحققها طوفان جارف من الماء لا يستمر؛ إننا نقصد من هذه النقطة أن ننبه أخواننا من الدعاة والعلماء والخطباء هو ألا تكون مواقفنا انفعالية نهب للشجب والتنديد ثم تفتر الهمم وتصمت الأصوات، ويعاود السفهاء فعلتهم في التطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن المشكلة الحقيقية هي أن هذه الجرائم والتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم وثوابت الأمة المسلمة تكررت كثيرًا وما أن ينتهى المسلمون من متطاول إلا ويظهر غيره، وليس ذلك إلا بسبب غياب العمل المؤسسي الثابت، وفقدان المنهج العملي الواضح الخطوات.
إن دولاً وثقافات لا وزن لها استطاعت من خلال العمل الواضح الجاد أن تجبر الآخرين على الاعتراف بها، بل إن "إسرائيل" نجحت في جعل معلومات تاريخية مشكوك فيها مصدرًا للمقاضاة ومحاكمة المخالفين وليس ذلك إلا بسبب عمل جماعي مؤسس على خطى ثابتة وواضحة، أما نحن فاكتفينا بالصراخ والتآلف مع النوازل بعد قليل من نزولها، فنثور قليلا ثم نسكت ولا نتكلم وكأن شيئا لم يحدث، لهذا صار المتطاولون لا يبالون كثيرًا لصرخاتنا وتنديدنا.
2- "استعن بالله ولا تعجز" :
النقطة الثانية التي يجب واضحة لجميع الدعاة والخطباء والعلماء أن المسلم قوي، ولو أراد أن يزيل جبلاًَ لأزاله، فلا يحقرن أحد من نفسه شيء وعلى كل واحد منا دور، عليه أن يحيى سنة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته ومسجده وشارعه وعمله، وما نقدمه في هذا الكتاب من أساليب ووسائل لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم ليست إلا بعض اقتراحات، ومن اجتهد واستعان بالله يكون العون، وعلى قدر المئونة تكون المعونة.
وإذا كان قد تقرر من الوقائع والأحداث أنه إذا سب الرسول صلى الله عليه وسلم فانتظر النصر المأمول، فإننا يجب أن نشير إلى أن الأجيال الأولى لم تكتف بسماع سب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعدوا ينتظرون النصر، بل إن ذلك كان يصاحبه العمل الجاد، بل إن كل المواقف التي وردت في هذا السياق تشير إلى أن النصر المأمول كان يأتي بعد حصار المسلمين للأعداء، فلا بد إذن من العمل الجاد الذي يعقبه النصر، بل إني لعلى ثقة من أن أحد أسباب النصر كانت ثورة المسلمين على تطاول الأعداء والمشركين فيهبوا للدفاع عن ثوابتهم، فمن ينتظر النصر المأمول عليه أن يهب للدفاع عن الثوابت.
لذلك لابد لنا من العمل الجاد المؤسس، وسنحاول في هذه المقالة طرح بعض الأفكار والرؤى لاستغلال هذه الجريمة الأخيرة في وضع منهج للدفاع عن الثوابت.
1- تقوية الجبهة الداخلية:
قال علي بن الحسين: «كنا نُعلَّم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم كما نُعلَّم السورة من القرآن» ، ويقول الإمام الزهري: «في علم المغازي علم الآخرة والدنيا».
وقال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: «كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدها علينا ويقول هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها».
بهذه الصورة حافظ المسلمون الأوائل على الثوابت لدي الأجيال المتعاقبة، لقد كانت دروس السيرة جزءًا لا يتجزأ من المنهج العلمي الإسلامي على مر العصور، ولم يتخلف علم السيرة عن بقية العلوم إلا في العصور الأخيرة إلا عندما أصبح البعض ينظر للسيرة باعتبارها ترفًا زائدًا، أو عندما انشغلت الحكومات بالحضارات البائدة مثل الفرعونية وغيرها.
لذلك فإن أول خطوة للدفاع عن الثوابت هي تعبئة الجبهة الداخلية وذلك عن طريق دراسة السيرة النبوية دراسة شاملة، إن من يتابع دروس العلم في مساجد المسلمين سيجد قصورًا كبيرًا في تدريس السيرة النبوية، بل إنك قد تجد القرية أو البلدة ليس بها من دروس السيرة شيء فضلا الحديث عن شمائل المصطفى وحقوق النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف بعد ذلك ينتظر منا الدفاع عن الثوابت، إن لدي المسلمين حب عميق لرسول الله، ويجب علينا أن نزيد من هذه الحب عبر دراسة السيرة، ويجب أن يترجم هذا الحب إلى عمل منهجي مؤسس.
كما أننا نرى في مثل هذه الجرائم المتكررة فرصة مناسبة للدعاة والخطباء لترسيخ عقيدة الولاء والبراء التي ضعفت لدي المسلمين، والتي تتعرض لحملة شرسة، إلا إن بعد هذه الحملات الغربية المتكررة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا مجال إذن للسكوت أو إخفاء عقيدة المسلمين وراء شعارات متهالكة عن التسامح.
2- أين الجامعات والمراكز البحثية:
إن عامة المسلمين في حاجة إلى الحديث العاطفي التربوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا إن البعض ممن تلوث بأفكار الغرب يحتاج إلى خطاب أكاديمي يزيل ما في قلبه من شبهات الغرب وأكاذيبه، وهو الدور الذي يجب أن تضطلع به جامعات المسلمين المنتشرة في أنحاء الأرض عبر تبنى خطاب أكاديمي لا يكتفى بالأبحاث والدراسات بل يضم إلى محاوره عقد الندوات والمؤتمرات ومخاطبة أبناء الأمة وإزالة ما في قلوبهم وعقولهم من لوثات غربية.
3- إعلام المسلمين لمن؟:
من أهم الأدوار التي يجب أن ننطلق من خلالها لترشيخ منهج للدفاع عن الثوابت الدور الإعلامي، وهو دور لا يجهله أحد إلا إن هناك كثيريون يتجاهلون تفعيل هذا الدور، وإذا ما أصرت الأجهزة الإعلامية على دورها المشبوه في إضعاف عقيدة المسلمين وشغلهم بما هو بعيد عن الإسلام فيجب على الدعاة والعلماء مخاطبة هذه الأجهزة، فإن لم تستجيب فتكون المقاطعة والمقارعة حتى تعود هذه الأجهزة الإعلامية
4- مخاطبة العقلاء ومقارعة السفهاء:
لما استتب الأمر للإسلام في الجزيرة العربية، بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مراسلة الدول والملوك، فأرسل إلى كسرى عظيم الفرس وهرقل عظيم الروم، أما كسرى فكان سفيهًا مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عليه رسول الله ولم تمض أيام حتى قتله ابنه جزاء لما فعله بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما هرقل فكان عاقلاًُ لم يمنعه عن الإسلام إلا الطمع في الدنيا وذكرت الآثار أن ملوك الروم كانوا يتداولون كتاب رسول الله ويحافظون عليه.
مثل كسرى اليوم في دول الغرب كثيرون، ويوجد كذلك مثل هرقل، ولاختلاف النموذجين فيجب أن يختلف أسلوب التعامل، فالعقلاء يجب أن يتوجه إليهم الباحثون والدعاة بالخطاب عن شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وفضائله، ولكن السفهاء لا يصلح معهم إلا المقارعة والمقارعة أبوابها كثيرة تبدأ من المقاطعة، ورسائل الغضب والاحتجاج وتمتد لتشمل إلى مظاهرات للتنديد والشجب، بل ولابد من تصعيد الأمر إلى المؤسسات الدولية إن لزم الأمر.
5- لجنة "الدفاع عن رسول الله":
وحتى لا نكتفى بمواقف انفعالية وأعمال فردية قد يخبت ضوؤها بعد فترة من الوقت، لابد أن يهب مجموعة من المسلمين لتشكيل لجنة "للدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" وذلك من أجل تنظيم جهود المسلمين في هذا المجال ومتابعة فعاليات الدفاع عن رسول الله وثوابت الأمة المسلمة، ويجب أن تتجاوز هذه الجمعية الحجب والحدود فلا تنحصر في دولة أو قطر، ويجب أن تكون مفتوحة لجميع المسلمين للمشاركة فيها.
6- أين القانونيون؟:
نجحت "إسرائيل" في دفع كثير من الدول إلى استصدار قوانين لمناهضة السامية، بل جعلت مناهضة السامية قانونًا عالميًا، فهل يعجز القانونيون المسلمون أن يقاضوا أمثال تلك الصحيفة وغيرها من الذين يتطاولون على ثوابت الأمة، لا أشك في أن هذه الجرائم تحمل من الدعاوى والحجج التي تكفى لمحاكمة وإدانة مقترفيها، فهلا هب القانونيون من سباتهم.
7- ولجالياتنا في الغرب دور:
لا توجد دولة في ناحية من أنحاء العالم، إلا وبها من المسلمين أعداد لا يستهان، ولهؤلاء المسلمين دور كبير في الدفاع عن ثوابت الأمة المسلمة، إن على هؤلاء المسلمين توحيد جهودهم والعمل عبر عدة محاور:
- تنقية كتب التعليم والمناهج الغربية من أية إساءة أو سوء فهم للإسلام، حيث تمتلئ كتب التعليم في الغرب بالصورة السيئة عن المسلمين.
- متابعة وسائل الإعلام بكافة أنواعها والتنبيه على أية إساءة أو مخالفة تقع في هذه الوسائل.
- إقامة الندوات والمؤتمرات للتعريف برسول الله صلى الله عليه وسلم وفضله على العالمين، ويدخل في ذلك تأجير عدة ساعات إذاعية أو تليفزيونية في الشبكات الإعلامية للقيام بهذه المهمة.
8- ما يملكه المسلم العادي من وسائل النصرة:
ليس بين المسلمين رجلاً عاديًا ورجل غير عادي، بل إن المسلمين تتكافأ دمائهم، غير أنه من بين المسلمين من لا يكون من ذوي المناصب أو ذوي الأموال، وهذا لن يعدم وسيلة ينصر بها خير البرية وشفيعه محمد صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الوسائل ما نسرده الآن:
1- الدعاء والقنوت:
الدعاء سلاح المؤمن على أولئك المعتدين والذي لا يعجز عنه مسلم، على محب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو ويقنت بأن ينتقم الله من المجرمين الآثمين شر انتقام، وهو في هذا يقتدي بحبيبه صلى الله عليه وسلم حيث روى البخاريُّ ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: "دعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم على الذين قَتلوا (يعني أصحابه) ببئر معونة ثلاثين صباحًا، حين يدعو على رعل ولحيان، : وعصية عصت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم".
2- اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والمحافظة على سنته:
يقول الله تبارك وتعالي: "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" [آل عمران 31].
يقول الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره: "هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عليه أمْرُنَا فَهُوَ رَدُّ" ولهذا قال: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تُحِبّ، إنما الشأن أن تُحَبّ وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }" .
إن من أهم أساليب نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو اتباعه وتطبيق سنته، بل إنها الدليل الأقوى على صدق دعواك في محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فعلى كل مسلم أن يعود إلى نفسه ويقيس محبته لنبيه بدرجة اتباعه له والسير على سنته ونهجه.
ومن الأمور الهامة في هذا المجال؛ الحذر من الابتداع بسبب الاندفاع غير المنضبط بضوابط الشرع الذي قد يحمل صاحبه على دعوة الناس إلى أمور لا يُقرون عليها كمن يدعو على توحيد الصيام والدعاء في يوم بعينه، أو يدعو إلى نشر رسالة مكذوبة يزعُم مختلقها أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ـ ويذكر أمورا ـ ويطالب بنشرها إلى عشرة أشخاص وأنه سيرى بعد أربعة أيام ـ إن فعل ـ أمرا يسره وإن لم يفعل رأى أمورا تسوؤه.
3- هل تعرف نبيك صلى الله عليه وسلم:
ومن الوسائل المهمة التي يملكها كل مسلم ولا عذر له إن عجز عنها، هو معرفة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشمائله العطرة وفضائله الكريمة، إن في قلب كل مسلم حب فطري لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إن هذا الحب يترسخ وينمو إذا ما قرأ المسلم في سيرة نبيه وعلم كيف ضحى وبذل من أجل أن يصل إليه هذا الدين.
ينمو هذا الحب إذا ما علم المسلم كيف أن نبيه صلى الله عليه وسلم يشتاق إليه ويحبه، وهو صلى الله عليه وسلم أرحم به من أمه التي ولدته، فيجب على كل مسلم أن يخصص من وقته ساعة أو أكثر كل يوم يقرأ فيه في سيرة الحبيب ويتعرف على شمائله وفضائله صلى الله عليه وسلم.
4- الله الله في أولادك:
إن كثيرًا من أبناء المسلمين اليوم يجهلون سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم لا يعرف عن نبيه وشفيعه وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم سوى اسمه وبعض الوقائع المتفرقة من سيرته قد يكون درسها في دراستها، فعلي المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلم أولاده وأهل بيته سيرة سيد البشر وخير البرية محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا من أكبر وسائل نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5- لا نرد باطل بباطل:
ومن النقاط الهامة التي يجب التنبيه عليها، هو الحذر من رد باطلهم بباطل مثله، فقد يقع بعض الغيورين من المسلمين الذين يفتقرون إلى العلم الصحيح في الإساءة لأنبياء الله عزوجل أو التعرض لرسول الله عيسي عليه السلام، وهذا جرم عظيم قد يفعله بعض من لا خلاق له، وقد تصدر بعض هذه الحماقات من جهلة لا يراقبون الله في أقوالهم وأفعالهم كما ذكر شيخ الإسلام (الفتاوى 6/25-26) عن بعضهم أنه ربما أعرض عن فضائل علي رضي الله عنه وأهل البيت لما رأى غلو الرافضة فيهم وتنقصهم للشيخين ـ رضي الله عن الجميع ـ ونقل عن بعض الجهلة أنه قال :
سُبَّوا عليا كما سبُّوا عتيقكم * * * كفر بكفر ، وإيمان بإيمان
كما ذكر أن بعض المسلمين يعرض عن فضائل موسى وعيسى عليهما السلام بسبب اليهود والنصارى حتى حُكي عن بعض الجهال أنهم ربما شتموا المسيح عليه السلام حين سمعوا النصارى يشتمون نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم في الحرب.

6- المقاطعة الاقتصادية:
ومن أهم وسائل نصرة الله ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم والتي تظهر أهميتها في هذا العصر "المقاطعة الاقتصادية" لأعداء الله وللمتطاولين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الوسيلة لها شأن ومكان في هذا العصر، فإن كان المسلمون اليوم يعجزون عن إعلان الجهاد على من طعن في الدين فلن يعجزوا أن يجاهدوا هؤلاء بالمقاطعة الاقتصادية.
ونتعرض في الصفحات القادمة لموضوع المقاطعة بشيء من التفصيل، وذلك لوجود من يشكك في شرعيتها وآخرين يشككون في جدواها.
المقاطعة الاقتصادية وأهميتها:
تعني المقاطعة الاقتصادية الامتناع عن دعم اقتصاد الأعداء، سواء أكان ذلك بيعًا أو شراء، فمن صور البيع الامتناع عن إمداد الأعداء بما يحتاجونه من سلع ضرورية مثل القمح في قصة ثمامة بن أثال، والتي سنوردها بعد قليل، أو مثل النفط مثلما حدث في حرب 1973 عندما امتنعت الدول العربية عن تصدير النفط للدول المشاركة في العدوان.
ومن صور الشراء، الامتناع عن شراء منتجات الأعداء بما يلحق أضرارًا باقتصادهم ويضعفه ويدفع المسلمين إلى إنتاج سلع بديلة تكون دافعًا لتقوية الاقتصاد المسلم.
والمقاطعة الاقتصادية بهذا الشكل وسيلة من وسائل الجهاد تتمحور بشكل أساسي حول مبدأ تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وهي بذلك ليست غاية في حد ذاتها فتصبح تحريمًا لما أحله الله من التعامل الاقتصادي مع أهل الكتاب والكفار والمشركين.
وقد طبق رسول الله صلى الله عليه وسلم منهج المقاطعة عندما أرسل عليًا إلى أبي بكر الصديق ليخبره بأن الله سبحانه وتعالى أوحى إليه بأن المشركين نجس، فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا، وقد حزن تجار المسلمين من هذا الأمر الإلهي خشية الفقر والعوز والخسارة، فرد الله عليهم بقوله: "وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله"، وكان هذا نموذجا قرآنيا لوجوب مقاطعة المشركين والكافرين والمعتدين والظالمين .
أما أهمية المقاطعة الاقتصادية وخطورتها، فهذا ما لا يشكك فيه إلا مجادل أو معاند للحق، فقد استبان لكل ذي عينين أن الاقتصاد في العصور المتأخرة صار عاملاً من العوامل القوية لقيام المجتمعات وانهيارها، وإذا كان المسلمون يعجزون عن رفع راية الجهاد، فإن في هذه المقاطعة الاقتصادية غنية عن ذلك حتى يأذن الله بأمر كان مفعولاً.
وتتضح أهمية المقاطعة الاقتصادية هذه الأيام، حيث تتشابك المصالح وتتعقد في عالم الاقتصاديات الضخمة, وتتعقد الروابط بين أصحاب رؤوس الأموال, وأرباب الشركات بحيث أنّ اهتزاز شركة ما أو إفلاسها سيؤدي إلى آثار سلبية أكيدة على الشركات الأخرى ، وبعض تلك الآثار آني الحدوث, وبعضها متوسط, وبعضها متأخر لكنه حتمي الوجود.
فعلى سبيل المثال؛ أعلنت شركة "آرلا فودز" الدانماركية عن عزمها تسريح 125 من موظفيها بعد المقاطعة الاقتصادية لمنتجات الدانمارك، وعند النظر المتعمق لهذا الخبر سوف نجد أن الأمر سيؤثر على افتصاد دولة بأكملها، فهؤلاء الموظفون المسرحون كانت تقوم الشركة بموجب القانون بضمان التأمين الصحي لهم عبر شركة أخرى وهي كذلك محتاجة لشراء ملابس لعمالها من شركة ثانية, ولا بد أن تطلب من شركة ثالثة أن توفر لها حافلات لنقل عمالها من وإلى مقر العمل, وهي كذلك مجبرة على تأمين سكن ملائم لهم, لذا كان لا بد من إبرام عقد استئجار مبني أو شراءه، كما هي مجبرة على توفير وجبات الغذاء لهم من شركة خامسة أو سادسة.
فهذه ست أو سبع شركات لها مصالحها وعقودها مع شركة واحدة، وبالتالي فإن انخفاض مبيعات تلك الشركة من شأنه أن يؤثر على الحالة الاقتصادية لبقية الشركات، وكل شركة ستقوم بالإجراء ذاته مع الشركات التي تتعامل معها في تسلسل عجيب.
ولا ينتهي تأثير انخفاض مبيعات شركة واحدة عند هذا الحد، بل إن ذلك من شأنه أن يؤثر سلبًا على حجم الضرائب المدفوعة قصراً لحكومة الدولة، فضلاً عن أن عشرات الألوف من الموظفين والعمالة المسرحين في الشوارع سيشكلون عبئاً ثقيلاً على الحكومة.
وهكذا يكون للمقاطعة الاقتصادية الناجحة نتائجها القوية الباهرة, والتي قد تحتاج لسنوات حتى تظهر، إلا إنه لا يستطيع أحد أن يتجاهلها، خاصة وأننا نرى أن "الولايات المتحدة" كبرى دول العالم باتت تمارس هذا الأسلوب مع أعدائها ومخالفيها، وحلفائها إن لزم الأمر.
أدلة شرعية المقاطعة الاقتصادية:
فيما يلي بعضًا من أدلة شرعية وجواز المقاطعة الاقتصادية:
1- يقول تعالى في مجاهدة الكفار: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[التوبة 5].
يقول الحافظ ابن كثير: " .. أي لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم، بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم، والرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع، وتضطروهم إلى القتل أو الإسلام" .
ويقول الشيخ السعدي في تفسيره: "{ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } أي: كل ثنية وموضع يمرون عليه، ورابطوا في جهادهم وابذلوا غاية مجهودكم في ذلك، ولا تزالوا على هذا الأمر حتى يتوبوا من شركهم" .
لقد أمرنا الله بالقعود بكل طرق المشركين في جهاد الطلب وبذل غاية الجهد في ذلك، فما الظن بجهاد الدفع عندما يعجز المسلمون عن جهاد السيف والسنان، ولا يكن في مجهود المسلمين غير سلاح الاقتصاد.
2- يقول تعالي: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [التوبة 41].
يقول الشيخ السعدي: "{ وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } أي: ابذلوا جهدكم في ذلك، واستفرغوا وسعكم في المال والنفس، وفي هذا دليل على أنه -كما يجب الجهاد في النفس- يجب الجهاد في المال، حيث اقتضت الحاجة ودعت لذلك" .
وإذا كان المقصود من الآية أن المؤمنين يجاهدون بأموالهم بشراء السلاح ودعم المجاهدين، فلعل من أوجب صور هذا الأمر هو عدم دعم اقتصاد الأعداء، خاصة وأن هذا قد يندرج تحت باب الولاء والبراء ومعاونة الأعداء عبر دعم اقتصادهم، لذلك فإن امتناع المسلمين عن شراء منتجات الأعداء قد يكون من أوجب صور الجهاد بالأموال هذه الأيام.
3- يقول تعالي: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [التغابن 16].
يقول الشيخ السعدي: "فهذه الآية، تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد، أنه يسقط عنه، وأنه إذا قدر على بعض المأمور، وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ، ويدخل تحت هذه القاعدة الشرعية من الفروع، ما لا يدخل تحت الحصر" .
ويقول النووي في شرح صحيح مسلم: "قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ) هذا من قواعد الإسلام المهمة ، ومن جوامع الكلم التي أعطيها صلى الله عليه وسلم ، ويدخل فيه ما لا يحصى من الأحكام كالصلاة بأنواعها ، فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل غسل الممكن ، وإذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته أو لغسل النجاسة فعل الممكن ، وإذا وجبت إزالة منكرات أو فطرة جماعة ممن تلزمه نفقتهم أو نحو ذلك ، وأمكنه البعض فعل الممكن ، وإذا وجد ما يستر بعض عورته أو حفظ بعض الفاتحة أتى بالممكن ؛ وأشباه هذا غير منحصرة ، وهي مشهورة في كتب الفقه ، والمقصود التنبيه على أصل ذلك ، وهذا الحديث موافق لقول الله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم }".
وكما أوضحنا في فصل "حكم الساب المتطاول" فإن حد المتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القتل فإن عجز المسلمون على ذلك، فعليهم أن يأتوا بكل سبيل وطريق يوصل إلى هذا المطلوب، حتى يكونوا قد قاموا بما استطاعوه من عمل وجهد كما طالب الله عزوجل منهم.
4- أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاد المالي، روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ .
5- تنوع أساليب الجهاد والقتال، إن كل عصر وزمان له أسلحته الجهادية والحربية المستخدمة ضد الأعداء، وقد استخدم المسلمون أسلحة جهادية متنوعة في ذلك ضد أعدائهم بقصد هزيمتهم وإضعافهم،قال الإمام الشوكاني في السيل الجرار : "وقد أمر الله بقتل المشركين ولم يعيّن لنا الصفة التي يكون عليها ولا أخذ علينا ألا نفعل إلا كذا دون كذا" .
6- هدي النبي صلى الله عليه وسلم:
ومن الأدلة كذلك على جواز وشرعية المقاطعة الاقتصادية، هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا السبيل بعد هجرته إلى المدينة النبوية، حيث شن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا من السرايا والغزوات التي تهدف إلى إضعاف الأعداء اقتصاديًا، ومن ذلك قصة غزوة بدر عندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه يترصدون عير قريش.
ومن الأمثلة على أسلوب حصار النبي عليه الصلاة والسلام الاقتصادي مايلي:
أ- طلائع حركة الجهاد الأولى وذلك أن أوائل السرايا التي بعثها الرسول صلى الله عليه وسلم والغزوات الأولى التي قادها صلى الله عليه وسلم كانت تستهدف تهديد طريق تجارة قريش إلى الشام شمالا و إلى اليمن جنوبا ، وهي ضربة خطيرة لاقتصاد مكة التجاري قُصد منه إضعافها اقتصاديا.
ب- حصار يهود بني النضير وهي مذكورة في صحيحي البخاري ومسلم ؛ أنهم لما نقضوا العهد حاصرهم الرسول صلى الله عليه وسلم وقطع نخيلهم وحرقه فأرسلوا إليه أنهم سوف يخرجون فهزمهم بالحرب الاقتصادية وفيها نزل قوله تعالى (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) [الحشر 5]، فكانت المحاصرة وإتلاف مزارعهم ونخيلهم التي هي عصب قوة اقتصادهم من أعظم وسائل الضغط عليهم وهزيمتهم وإجلائهم من المدينة.
ج- قصة حصار الطائف بعد فتح مكة وأصل قصتهم ذكرها البخاري في المغازي ومسلم في الجهاد وفصّل قصتهم ابن القيم في زاد المعاد، وقال رحمه الله: "وفيه جواز قطع شجر الكفار إذا كان ذلك يضعفهم ويغيضهم وهو أنكى فيهم" .
7- قصة ثمامة بن أثال رضى الله عنه:
ومن الدلائل الواضحة على جواز المقاطعة الاقتصادية وشرعيتها قصة الصحابي الجليل "ثمامة بن أثال" رضى الله عنه، وقد روى قصة مقاطعته لقريش ومنعه بيع الحنطة لهم البخاري ومسلم في صحيحهما ، روى البخاري في صحيحه عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ فَقَالَ أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ صَبَوْتَ قَالَ لَا وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأورد قصة منع الحنطة عن قريش مبسوطة البيهقي في دلائل النبوة؛ قال البيهقي ".. فلما قدم (ثمامة) مكة وسمعته قريش يتكلم بأمر محمد من الإسلام قالوا : صبأ ثمامة، فأغضبوه فقال : إني والله ما صبوت ولكني أسلمت، وصدقت محمدا ، وآمنت به ، وأيم الذي نفس ثمامة بيده، لا تأتيكم حبة من اليمامة - وكانت ريف مكة - ما بقيت حتى يأذن فيها محمد صلى الله عليه وسلم.
وانصرف إلى بلده، ومنع الحمل إلى مكة، حتى جهدت قريش، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلي حمل الطعام، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم" .
وفي قصة ثمامة بن أثال رضى الله عنه من الفوائد الشيء الكثير، ففيها جواز المقاطعة الاقتصادية وإقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم لفعل ثمامة حيث لم يرد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر على ثمامة فعله ذلك وكون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ثمامة برفع المقاطعة فذلك شيء آخر، وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلم بأمر مخالف لشرع الله عزوجل ولا ينكره.
وفي هذه القصة كذلك إشارة إلى أن المقاطعة الاقتصادية وسيلة وليست غاية في حد ذاتها، فهي وسيلة من أجل تحقيق هدف ما، وكان الهدف في قصة ثمامة بن أثال هو إعلام قريش بأن ثمامة واليمامة صارت تابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك لما جهدت قريش أي بلغت بها المشقة مبلغها لجأت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان في ذلك اعتراف من قريش بعلو كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيطرته على الجزيرة العربية، وبهذا يتحقق هدف ثمامة بن أثال رضى الله عنه من المقاطعة، فيكون الأمر برفعها.
ومن فوائد القصة كذلك جواز قيام الأفراد بالمقاطعة الاقتصادية بدون إذن "ولي الأمر" حيث قام ثمامة بن أثال بهذه المبادرة الفردية دون الرجوع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، ولم يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم برفعها إلا بعد أن اشتكت له قريش وناشدت الرحم، ولم يكن ثمامة بن أثال بأمير اليمامة كما قد يظن البعض، فقد أشار البيهقي في "دلائل النبوة" إلى أن ثمامة بن أثال رضى الله عنه كان رسول "مسيلمة الكذاب" أمير اليمامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك قبل أن يسلم ثمامة بن أثالأ، لذلك فإن من يعلقون أمر المقاطعة بإذن ولي الأمر لا دليل لهم في هذا الشأن، وإذا ثبت جواز المقاطعة من أكثر من وجه فإن القول باستناد هذا الجواز على موقف ولي الأمر يحتاج في حقيقة الأمر إلى دليل يثبته بدلا من إلقاء الكلام على عواهنه.
مصالح متحتمة تحققها المقاطعة:
ومن أدلة جواز وشرعية المقاطعة، المصالح التي تحققها المقاطعة وهي مصالح نادت بها الشريعة الإسلامية ودعت إليها، ففي هذه المقاطعة خمسة أمور عظيمة مُتحقِّقة، إِن تخلَّفَ أحدُها لم تتخلَّفْ بقيتُها:
أحدها: الإعذار إلى الله عزَّ وجلَّ، وبَذْلُ ما بالوسع والطاقة في نُصرة شرعه ودينه ، فَإِنَّ هذا واجبٌ لازمٌ ، وليس في أيدينا إلا هذا.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "نصر رسول الله e وتعزيره وتوقيره واجب، وقتل سابه مشروع .. فلو جاز ترك قتله لم يكن ذلك نصراً له ولا تعزيراً ولا توقيراً، بل ذلك أقل نصره؛ لأن الساب في أيدينا ونحن متمكنون منه، فإن لم نقتله مع أن قتله جائز لكان ذلك غاية في الخذلان وترك التعزير له والتوقير، وهذا ظاهر" ، فإذا عجز المسلمون عن إقامة الحد على المتطاول الشائن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فعليهم أن يبذلوا قصارى ما يستطيعون في تحقيق ذلك، حتى يصدق عليهم أنهم أعذروا إلى الله عزوجل.
الثّاني: التنكيل بأعداء الله، وإذاقتهم بَعْضَ وبالِ أمرهم، بحيث يكون لهم عقوبة مؤلمة ، ويكون لغيرهم رادعا ، حاميا لحياض المسلمين ودينهم وعرض نبيهم صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام: (.. فإن السَّابَّ ونحوه، انتهك حرمة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونقَّص قدرَه، وآذى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين، وأجرأ النفوس الكافرة والمنافقة على اصطلام أمر الإسلام ، وطلب إذلال النفوس المؤمنة ، وإزالة عِزِّ الدين ، وإسفال كلمة الله ، وهذا من أبلغ السعي فسادا).
الثالث : إظهاره عِزَّةَ المؤمنين وقوَّتهم، ونَيْلَهُمْ من أعدائهم ومُتنقّصي رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم، وإِنْ ضعفتْ حيلتهم عن مقاتلته.
الرابع: تحقيق مصلحة الولاء والبراء، وإعلان البراءة من أعداء الله، قال تعالى : ( لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة 22]، وقال: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ) [الممتحنة 1]، وفي المقاطعة إعلان وإظهار لعقيدة الولاء والبراء.
فهذه مصالح عظيمة من مقاطعة أولئك المعتدين، فمَنْ زَعَمَ أَنَّ المقاطعة غير نافعة، أو أَنَّ نفعَها قليل: أُجِيْبَ بهذا.
خاصة وأن الأحداث التي أعقبت تلك الجريمة الدانماركية بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم أظهرت هذا التحرك الإسلامي الواسع في كافة أنحاء العالم وتداعى الناس إلى الذب عن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام سواء كان ذلك بإلقاء الخطب أو المحاضرات، أو عقد الندوات، أو الدعوة إلى مقاطعة الدانمارك والنرويج تجارياً حتى ضحى كثير من خيار التجار المسلمين ببعض ما بأيديهم نصرة لدينهم.
أم حكم المقاطعة من الناحية الشرعية، فلا نستطيع القول بوجوبها إن القول باستحبابها ليس ببعيد لما أوردناه من أدلة ومصالح حثت عليها الشريعة الغراء، إننا يجب أن نؤكد على أن التحليل والتحريم إنما يكون من قبل الشارع، ولا يجوز أن نُلزم الناس بأمر لم يُلزمهم الله به، فلا يسوغ إطلاق عبارات نُحرم فيها بيع بضائع هؤلاء أو نوجب شرعا مقاطعة منتجاتهم، لكن نقول : المقاطعة الاقتصادية في هذا العصر سلاح مؤثر ومن هنا نحث الناس على ذلك لكن لا نقول بوجوبه أو نؤثم من عاملهم، وإن كان لا بد هنا أن نؤكد أن المتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد في الإسلام من الكافر الحربي وفقًا لما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في "الصارم المسلول"، كما قرر شيخ الإسلام وجوب إقامة الحد على الساب للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم حتى وإن تاب وأعلن إسلامه وذلك حفظًا لمقام الرسول الكريم لهذا فالقول بالاستحباب لبس ببعيد، وإن كان يجوز معاملة الكافر الحربي إلا إن حكم الساب المتطاول أشد من الكافر الحربي.
أوهام يبديها معارضو المقاطعة:
وإذا كانت الأدلة الشرعية متضافرة على جواز، إن لم نقل على استحباب، المقاطعة الاقتصادية للمعتدين المتطاولين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قومًا عميت أبصارهم رأوا أن المقاطعة غير جائزة وساقوا في ذلك أوهام، وليست شبهات، لم تنبت إلا في عقولهم.
1- فمن ذلك من يزعم أَنَّ المقاطعة ستقطع الحوار مع الغربيين:
وهذه كذبةٌ بلقاء، وحيلةٌ بلهاء، فإنَّ الله عز وجل لم يَأْذَنْ بالحوار مع الكفار إلا ببنائه على أصلَيْنِ اثنَيْنِ ، هما:
أ‌- دعوتهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، والإيمان بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
ب‌- بيان بُطْلان دينهم وفساده، وأَنْ اللهَ لا يقبله منهم، ولا يقبل غيرَ الإسلام.
لهذا قال سبحانه : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران 64].
وكانتْ حوارات النبي صلى الله عليه وسلم على هذا، لهذا قال سبحانه : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [المائدة 68]، ولو أقاموهما لآمنوا بالنبي وأسلموا ، كما قال عيسى عليه السلام لهم : (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف 6].
وقال : (فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران20].
وهذه الحواراتُ المزعومةُ ليست مبنيَّةٌ على هذَيْنِ الأصلَيْنِ، ولكنها غطاء لهدم الدين، وموالاة الكفار والمشركين.
2- ومن ذلك من يزعم أن المقاطعة قد تلحق أضرارًا بمصالح المسلمين:
وحقيقة الأمر، إن المقاطعة إذا تمت بضوابطها لنجحت ولم تلحق أضرارًا بأحد إلا بمن آثر الدنيا على الآخرة، وقدم شهوة بطنه على نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهب أن المقاطعة ألحقت ببعض فئات الأمة ضررًا وأضرارًا، فنقول لهم احتسبوا الأجر من عند الله وما ترك أحد شيئًا لله إلا عوضه الله خيرًا، فالواجب على المسلم إن وقع ضرر وهو أمر غير مسلم احتساب الأجر والصبر، فإنَّ الجنة حفت بالمكاره، وحفت جهنم برغبات النفوس وأهوائها.
وإن حصل ضرر فإن حفظ جناب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرته أهم من كل الأضرار، لقد رُفع للإمام مالك بن أنس رجل يسب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الإمام مالك رحمه الله: ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها.
ومع هذ؛ م يحصل بحمد الله ضرر، بل حصل مِنْ نصرة الدِّين وخُذْلان الكفار والمنافقين ما تَقَرُّ به أعين المؤمنين، وسارت به الركبان.
3- وهناك من يزعم أن المقاطعة تحريم لما أحل الله عزوجل:
وهذا من أغرب الأوهام التي أبداها رافضو المقاطعة، فمن قال إن المقاطعة فيها تحريم لما أحل الله من منتجات وأطعمة، إن الداعين إلى المقاطعة يقدمون بدائل لهذه المواد متوفرة في أسواق المسلمين، ولا يدعو أحد منهم إلى مقاطعة أصل هذه المواد، بل إن الدعوة منصبة فقط على مقاطعة المواد المنتجة في الدول التي اعتدت أو قبلت بالتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يقال أن في المقاطعة تحريم لما أحل الله عزوجل.
ضوابط في المقاطعة:
غير أن المقاطعة الاقتصادية حتى تكون ناجحة وقوية، يجب لها من عدة ضوابط نوضحها فيما يلي:
1- المقاطعة وسيلة وليست غاية:
ليست المقاطعة الاقتصادية غاية في حد ذاتها، ولكنها وسيلة لهدف عجز المسلمون عن تحقيقه بالسيف والسنان فلجأوا إلى هذا السلاح الهام، فالمقاطعة ليس لها غاية تنتهي إليها إلا بمحاسبة تلك المتطاولين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحاسبة كُلّ ذي صلة بهذه الجريمة، ومعاقبتهم عقوبة حاسمة رادعة.
يقول الشيخ عبد العزيز الراجحي – حفظه الله -: "أَمَّا ما ينادي به البعض من أن تكون غايةُ المقاطعة اعتذارَ الحكومة الدانماركية أو الصحيفة: فليس من الحق ولا العقل في شيء، وحكمٌ لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه الجناية حَقٌّ عظيم لله عزَّ وجلَّ، ليس لأحد أَنْ يتنازل عنه، أو يُعلن المسامحة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أَنْ يعفو عَمَّن شتمه وسَبَّهُ في حياته، وليس للأمة أَنْ يعفوا عن ذلك) ، ثم قال رحمه الله: ( ومما يوضح ذلك: أنَّ سَبَّ النبيصلى الله عليه وسلم تعلَّق به عدة حقوق: حَقّ الله سبحانه من حيث كَفَرَ برسوله صلى الله عليه وسلم، وعادى أفضل أوليائه، وبارزه بالمحاربة، ومن حيث طعن في كتابه ودينه، فإن صحتهما موقوفة على صحة الرسالة.
ومن حيث طعن في ألوهيته، فإنَّ الطعن في الرسول طَعْنٌ في الُمرْسِل، وتكذيبَه تكذيبٌ لله تبارك وتعالى، وإنكارٌ لكلامه وأمرِه وخبرِه وكثيرٍ من صفاته.
وتعلَّق به حَقُّ جميع المؤمنين من هذه الأمة ومن غيرها من الأمم، فإنَّ جميع المؤمنين مؤمنون به، خصوصا أمته، فإن قيام أمر دنياهم ودينهم وآخرتهم به، بل عامة الخير الذي يصيبهم في الدنيا والآخرة بوساطته وسفارته، فالسَّبُّ له أعظم عندهم من سَبِّ أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وسَبِّ جميعهم، كما أنه أحبُّ إليهم من أنفسهم وأولادهم وآبائهم والناس أجمعين، وتعلَّق به حَقُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث خصوص نفسه) .
فلا حَقَّ لأحدٍ قط أَنْ يتنازل عن حَقٍّ ليس له ، ومَنْ تنازل عن شيء من ذلك ، فإنما تنازل عن حَقِّ غيره ، فلا يَصِحُّ تنازلُه ولا يجوز) أهـ من بيان للشيخ عبد العزيز الراجحي بشأن الجريمة الدانماركية.
وكما اتضح من قصة ثمامة بن أثال رضى الله عنه، فقد كان الهدف من المقاطعة الاقتصادية على أهل مكة هو إعلام قريش بأن الكلمة الأولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تحقق هذا الهدف فرُفعت المقاطعة.
ومع إيضاح أن المقاطعة وسيلة وليست غاية، فعلى الدعاة والعلماء وقادة الأمة من تحديد أهداف المقاطعة حتى لا يخدعهم البعض بأن المقاطعة تحققت باعتذار لا قيمة له.
2- فتثبتوا، التأكد من قوائم المقاطعة:
ومن أهم ضوابط المقاطعة التثبت والتبين من أسماء المنتجات والشركات المندرجة في هذه المقاطعة، فيجب على المسلم أن يدرس السلع والخدمات التي تنتجها الدولة المقاطَعة، ويجب عليه التيقن من أنها سلعة مقدمة من دولة معتدية ظالمة، وهذا في زماننا ميسر، حيث لكل سلعة دولة للمنشأ، أين صنعت هذه السلعة، وإن كان يحدث في بعض الأحيان تحايل، ولكن نسبته قليلة، ويوجد في الدول العربية والإسلامية مراكز معلومات نستطيع أن نعرف منها الدولة التي تنتج السلعة أو تقدم الخدمة، وأسماء المساهمين في الشركات وجنسياتهم، ومعلومات كثيرة عنهم.
ويجب ألا تكون قوائم المقاطعة عشوائية، حتى لا نصيب قومًا بجهالة، بل يجب أن تكون هادفة، ومخططة، ومنظمة، وموجهة، حتى تكون أكثر فعالية، تحقق أكبر خسارة ممكنة لاقتصاد العدو، وتخفيف الخسائر من على الوطن، سواء كان عربيا أو إسلاميًا.
لذلك يجب على المسلم التثبت والتريث فلا يُقدِم على أمر حتى يتبينه، ويتوثق منه، ومن ذلك:
1- التحقق من نسبة المنتج إلى أولئك كي لا نقع في شيء من الظلم لأحد من المسلمين أو غيرهم ، وهنا قد تدخل المنافسات بين الشركات ويبدأ تصفية الحسابات فنُصيب قوما بجهالة.
2- قد يكون لهم شراكة في بعض المنتجات ثم زالت وتحول الأمر إلى غيرهم وهو أمر لا بد من معرفته لئلا نُلحق بأحد ضررا من هذه الجهة.
3- ربما كان التصنيع برمته في بلاد المسلمين إلا أن المصنع حصل على ترخيص من شركة هناك فمثل هذا تكون المقاطعة فيه عقابا لصاحب المصنع وهذا غير مراد.
3- المقاطعة موقف شرعي، لا يتوقف على النتائج:
ومن أهم الضوابط التي يجب الانتباه لها عند الحديث عن المقاطعة، هي أن المقاطعة تصدر عن موقف شرعي، أوضحناه فيما سبق، وتهدف إلى تحقيق الإعذار لله عزوجل، فهي بذلك لا تعتمد على النتائج التي تحققها، فلا يهم قدر النتائج المتحققة بقدر ما يهم الالتزام بهذا الموقف الشرعي، فلا ينبغي تخذيل الناس وتوهين عزائمهم بدعوى عدم جدوى المقاطعة، فالمقاطعة لا يُنظر إليها بما تحققه من خسائر مادية للعدو، ولكن يُنظر إليها على أنها موقف مع النفس، وموقف مع الله، وموقف لمؤازرة إخواننا، فقيمتها المعنوية لا تُقوّم بمال.
كما أن المقاطعة ليست من الأمور التي تظهر ثمرتها بشكل سريع، فمن الخطأ استعجال النتائج, والظن أن مقاطعة هذه الإمبراطوريات العريضة من رؤوس الأموال والشركات الضخمة سيؤدي إلى انهيارها في ظرف شهر أو شهرين, أو السنة والسنتين ، وهو ظن خاطئ لا يعرف الأناة والتريث , وموغل في التفاؤل إلى حد غير مقبول.
والحق في هذا الصدد أنّ الثمار اليانعة قد لا يتأتى قطفها إلا بعد سنوات من القطيعة الجادة, وربما يتطلب الأمر تعاقب أكثر من جيل, لكنها حتمية الوقوع بإذن الله تعالى، وقد يظهر ثمارها الآن، وقد بدأت تظهر آثار المقاطعة جلية على ألسنة القوم وفي اقتصادهم، غير أنه وإن لم تظهر هذه النتائج فماذا يضيرنا أن يتحقق المقصود على أيدينا, أو على أيدي الجيل الذي يلينا, وأجرنا وأجرهم على الله عزوجل.
كما أنه من الخطأ تخذيل الناس بدعوى أن هذه الصحوة الإسلامية أو المقاطعة لم تقع مثلاً حينما أهينت أوراق المصحف، إلى غير ذلك مما قد يُقال، فإن الضعف والتفريط في جانب لا يعني أن نفرط في الجوانب الأخرى ، فإذا حصل تقصير في الانتصار للقرآن فليس معنى ذلك أن نخذل الناس عن الانتصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
4- المقاطعة والمصالح والمفاسد:
من الضوابط الهامة لموضوع المقاطعة، الانتباه إلى توفير بدائل لكل منتج يتم مقاطعته، وإلا فإنه إذا لم يوجد بديل لهذا المنتج وثبتت ضرورته فلا مجال لمقاطعته بما فيه من إضرار بالمسلمين، ومن ذلك أجهزة الحاسب وبرامج الحاسوب، غير أن ذلك يجب أن يكون دافعًا للمسلمين أن ينتجوا ويتخلوا عن التكاسل، فلقد سخر السفير الدانماركي لدى الجزائر من المقاطعة الإسلامية بزعمه أن المسلمين "لا ينتجون فكيف يقاطعون".
ويمكن النظر للمقاطعة من عدة جوانب:
الجانب الأول: نوع البضاعة المشتراة، ومدى حاجتنا إليها.
الجانب الثاني: مدى توفر السلعة نفسها، وفق تقنياتها وقدراتها وقوتها في الاستخدام.
الجانب الثالث: سعر السلعة ومدى تناسبه مع خدمتها.
وعليه فإن مثل أجهزة الكمبيوتر وغيرها من الأجهزة والتقنيات العلمية والطبية التي يفتقر إليها المسلمون –وهم عالة على الغرب فيها- من الأهمية بمكان، غير أنه يجب دعم الاقتصاد المسلم إن وجد إلي ذلك سبيل بالتمهيد لإنتاج مثل هذه السلع والأجهزة، أو دعم الدول التي تقوم بتصنيع أجهزة الحاسب مثل ماليزيا وغيرها من الدول المسلمة.
5- بث الوعي وتوحيد الجهود:
ينبغي لإنجاح المقاطعة بث الوعي في المجتمع؛ بكثرة الطرح والطرق لهذا الموضوع الهام، من خلال الجلسات العائلية، والجلسات الشبابية، والمجالس العلمية, مع الحرص التام على سلامة الصدور, وألا يكون وجود بعض الأصوات المخالفة أو المخذلة سبباً في شيوع اليأس من النجاح, أو إعاقة المسيرة فيجب أن نتوقع كل شيء.
ولا ينبغي أن ننسى طبيعة مجتمعاتنا المترفة, ونمط العيش السائد لدى الأكثرية, والذين تعودوا أن يجدوا كل شيء متوفراً- بحمد الله- فأصابهم ذلك بالخمول والدعة والإخلاد إلى ملذات الدنيا, حتى لم يعودوا قادرين على الزهد ببعض الكماليات، إلى بدائل ربما تفوقها ترفاً وجودة، والله المستعان.
ومما يساهم في نجاح فكرة المقاطعة, تشجيع التجار والمحلات التجارية التي لا تبيع المنتجات المزمع مقاطعتها والتواصي بذلك في كل مكان، ومخاطبة التجار والمستوردين كي يحدوا من متاجرتهم ببضائع الأمريكان فالكلمة الصادقة ، والموعظة الحسنة تفعل الأعاجيب.

فتاوى المقاطعة :
فيما يلي بعضًا من فتاوى العلماء المتعلقة بقضية المقاطعة، وهي فتاوى في أغلبها كانت تتحدث عن المقاطعة بشكل عام.
1- مقاطعة الدانمارك:
الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
السؤال: ما رأي فضيلتكم بشأن مقاطعة دولة الدانمارك ؟
الإجابة: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:
لاشك أن المقاطعة مقاطعة الدولتين الدانمارك والنرويج الذين استهزئوا بالرسول صلى الله عليه وسلم إنها أقل ما يفعل، وينبغي للمسلم أن يقاطعهم، وحثّ الناس على مقاطعتهم، وأن ما فعلوه كفر وضلال، وأن هذا من الكفر الغليظ، وأنهم يعتبر نقضوا العهد بهذا، لأن من سب الرسول وسب الله وسب الدين ينتقض عهده.
فمن سب الرسول لا تقبل توبته في أصح قولي العلماء حتى لا يتجرأ الناس على الكفر الغليظ. ولهذا ألف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابا في هذا سماه ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ).
يعني أقل ما يفعله المسلم المقاطعة، ينبغي أن يقاطعهم، وأن يبين للناس كفرهم وضلالهم، وأنهم بهذا نقضوا عهدهم مع المسلمين، فهم أهل ذمة، كان بينهم وبين المسلمين عهد وذمة، والآن نقضوا العهد بهذا، لأن سب الرسول سب وطعن في الله الذي أرسله وهو أعظم الكفر الغليظ، والإنسان يفعل ما يستطيعه، ومنه بيان هذا الحكم للناس، وعدم التواصل معهم بأي نوع من أنواع المواصلة.
أسأل الله أن ينصر الإسلام والمسلمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.

2- دعوة الشيخ ابن عثيمين ولاة الأمر لمقاطعة كل من يحارب المسلمين
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في أحد أشرطته:
موقفنا من إخواننا المسلمين في يوغسلافيا فالواجب علينا أن نبذل ما نقدر عليه من الدعاء لهم بالنصر، وأن يكبت الله أعداءهم، وأن يهدي الله ولاة أمور المسلمين حتى يقاطعوا كل من أعان من يقاتلهم على قتالهم، المسلمون لو قاطعوا كل أمة من النصارى تساعد الذين يحاربون إخواننا لكان له أثر كبير ولعرف النصارى وغير النصارى أن المسلمين قوة، وأنهم يد واحدة.
فموقفنا نحن كشعب من الشعوب أن ندعو الله لهم بالنصر، وأن يذل أعداءهم وأن نبذل من أموالنا ما ينفعهم، لكن بشرط أن نتأكد من وصوله إليهم؛ لأن هذه المشكلة هي التي تقف عقبة أمام الناس، من يوصل هذه الدراهم إليهم؟ وهل يمكن أن تصل إليهم؟ فإذا وجدنا يدًا أمينة توصل المال إليهم فإن بذل المال إليهم سواء من الزكاة أو غير الزكاة لا بأس به، أقول لا بأس به بمعنى أنه ليس حرامًا، بل هو مطلوب؛ لأن نصرة المسلمين في أي مكان في الأرض يعتبر نصرة للإسلام.
وقال أيضًا:
وأنا لا يحزنني أن يموت رجل من الشيشان أو امرأة من الشيشان أو طفل من الشيشان لأنهم إن شاء الله شهداء، لكن الذي يحزنني كثيرًا والله سكوت الدول الإسلامية عن هذا، ولكان الواجب أن تقطع العلاقات بين روسيا من كل وجه ولو فعلوا ذلك لوقفت روسيا عند حدها، ولن يضرهم شيئا، ولكن مع الأسف أن الدول الإسلامية وأعني بذلك رؤوس الدول الإسلامية، دعنا من الشعوب، الشعوب قد يكون عنده حماس وغيرة لكن ما تستطيع، ساكتة ولم تتكلم بشيء.. هذا والله الذي يحزنني، جمهورية مسلمة فتية حديثة يفعل بها هذه الأفاعيل ونسكت!!!.
المصدر: الموقع الذهبي للإسلام

3- فتوى الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي
على تأكيد مقاطعة أعداء الإسلام، ورد على فتوى بعض العلماء في تحريم ذلك .
فضيلة الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
فقد حضرتُ درسا في الحرم المكي لبعض العلماء وقد سئل عن حكم مقاطعة الأمريكان واليهود فأجاب : بأن مقاطعة هؤلاء لا تجوز شرعا ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقاطع اليهود الذين كانوا في المدينة .
ولأن لدي إلمام ببعض الأحكام الشرعية فقد أشكل علي جواب هذا الشيخ ، فما حكم مقاطعة اليهود والنصارى حسب ما تقتضيه الشريعة الإسلامية ؟
الجواب :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
أولا: إن كنت متأكدا من أن هذا الشيخ أجاب بهذا الجواب الذي ذكرته فهو لا يعدو أحد رجلين:
إما أن يكون جاهلا بتاريخ الشريعة الإسلامية وأحكامها وحِكَمِها ، وإما أن يكون له قصد واتجاه هو أدرى به.
وعلى كلٍ فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يقاطع اليهود في أول الأمر حين كانوا مسالمين لأنهم لم تظهر لهم نوايا ضد الإسلام والمسلمين ، فلما علم صلى الله عليه وسلم نواياهم وخاف من شرهم وضررهم وقد نقضوا عهودهم قاطعهم وحاصر قراهم ، فقد حاصر بني النظير وقاطعهم وقطّع أشجارهم ونخيلهم ، واستمر حصاره لهم صلى الله عليه وسلم إلى أن سلّموا وطلبوا الجلاء عن المدينة ، وقد ذكر الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه قصتهم ، وذلك أنهم لما نقضوا العهد حاصرهم صلى الله عليه وسلم وقطّع نخيلهم وحرقها ، فأرسلوا إليه أنهم سوف يخرجون ، فهزمهم بالحرب الاقتصادية ، وفيها نزل قوله تعالى ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين).
فكانت المحاصرة وإتلاف مزارعهم ونخيلهم التي هي عصب قوة اقتصادهم من أعظم وسائل الضغط عليهم وهزيمتهم وإجلائهم من المدينة.
وكذلك فعل صلى الله عليه وسلم مع بني قريظة لما علم خيانتهم وتمالئهم مع الأحزاب ، حاصرهم حصارا محكما حتى نزلوا على حكم الله ، فقتل مقاتلتهم وسبا نسائهم و ذراريهم.
ثم إن قياس حالة الأمريكان واليهود والنصارى وشركاتهم في وقتنا الحاضر على يهود المدينة الذي هم قلة بالنسبة للمسلمين ، مع أنهم لم يعلنوا الحرب قياس فاسد ، لأن الأمريكان واليهود والنصارى وشركاتهم لا يفتأون يشنون الحروب على الشعوب المسلمة في فلسطين وفي العراق ، ويدعمون أعداء الإسلام في حروبهم ضد المجاهدين ، كدعمهم الروس في قتالهم ضد المجاهدين في الشيشان، وكدعمهم الفلبين في قتالهم ضد المسلمين هناك ، وكدعمهم للمقدونيين في قتالهم ضد الألبان المسلمين.
فهؤلاء حربيون لوقوفهم مع أعداء المسلمين الصهاينة في فلسطين ، فهم يدعمونهم بالمال والسلاح والخبرات ، ولولا دعمهم المتواصل منذ خمسين عام لدولة الصهاينة لما ثبتت لهم قدم في فلسطين ، لأن اليهود من أجبن خلق الله كما حكى الله سبحانه وتعالى عنهم ذلك في كتابه العزيز ، حيث قال ( لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر .. ) الآية ، وكذلك حكى سبحانه وتعالى عنهم أنهم لما قال لهم موسى عليه الصلاة والسلام ( ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ) ذكر الله سبحانه انهم أجابوه فقالوا ( يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون . . ) إلى قوله تعالى ( قالوا يا موسى إنا لن ندخلها ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) الآية .
فلولا دعم الأمريكان والإنجليز والشركات اليهودية والنصرانية للصهاينة لما تمكنوا من الإقامة في فلسطين .
إذن قياس هؤلاء المحاربين للإسلام الحاقدين على المسلمين على حفنة من اليهود كانوا في المدينة تحت موادعة المسلمين قياس فاسد كما تقدم .
فإذا كانت الشعوب الإسلامية في الوقت الحاضر ليس لديها قوة في الجهاد المسلح ضدهم بسبب الخلاف القائم بين حكام المسلمين وتخاذلهم عن إعلان الجهاد وارتباط أكثرهم بالدول الكافرة فلا أقل من المقاطعة الاقتصادية ضدهم وضد شركاتهم وبضائعهم .
وبناءا على ما قدمته فإنني أحث إخواننا المسلمين في المثابرة والمصابرة على هذا الجهاد ، قال تعالى (يا أيها الذين أمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا .. ) الآية، وأن لا يملوا أو يتكاسلوا فإن النصر مع الصبر، وأن يجتهدوا في مقاطعة الشركات والبضائع الأمريكية والبريطانية واليهودية مقاطعة صارمة وقوية وشاملة ، قال تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى) الآية، وقال عليه الصلاة والسلام : ( المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم) رواه أحمد من حديث علي بن أبي طالب.
وقد لمسنا ولله الحمد فيما سبق وفيما تناقلته وسائل الإعلام أثر المقاطعة الشعبية السابقة على الاقتصاد الأمريكي والبريطاني واليهودي.
والحاصل أن أمريكا وبريطانيا وراء محاربة الجهاد في كل مكان ، وهم وراء دعم الصهاينة في فلسطين ، ووراء الحصار الاقتصادي على دولة طالبان الإسلامية في أفغانستان ، ووراء دعم الروس ضد المجاهدين الشيشان ، ودعم النصارى ضد إخواننا المجاهدين في الفلبين وإندونيسيا وكشمير وغيرها ، وهم وراء دعم أي توجه لإضعاف الجهاد الإسلامي وإضعاف المسلمين ، ووراء محاصرة شعب العراق المسلم وشن الغارات اليومية عليه منذ أكثر من عشر سنين ظلما وعدوانا ، مع قطع النظر عن حكامه.
وقد صدق فيهم وفي غيرهم قوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) الآية.
اللهم عليك بالأمريكان والبريطانيين واليهود والنصارى وأعوانهم وأشياعهم ، اللهم اشدد وطأتك عليهم واجعلها سنين كسني يوسف ، كما أسأله سبحانه أن يوفق علماء المسلمين إلى أن يصدعوا بالحق وألا يخشوا في الله لومة لائم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أملاه فضيلة الشيخ
أ. حمود بن عقلاء الشعيبي، 4/4/1422 هـ.

4- رأي الشيخ الألباني في مقاطعة من يذبح إخواننا المسلمين:
قلت آنفا لبعض إخواننا سألني وكثيرا مانسئل ، يسألون الناس إلى اليوم عن اللحم البلغاري ، وأنا حقيقة أتعجب من الناس اللحم البلغاري بلينا به منذ سنين طويلة كل هذه السنين ماآن للمسلمين أن يفهموا شو حكم هذا اللحم البلغاري ؟ أمر عجيب ! فأنا أقول لابد أنكم سمعتم إذا كنتم في شك و في ريب من أن هذه الذبائح تذبح على الطريقة الإسلامية أو لا تذبح على الطريقة الإسلامية فلستم في شك بأنهم يذبحون إخواننا المسلمين هناك الأتراك المقيمين منذ زمن طويل يذبحونهم ذبح النعاج ، فلو كان البلغاريون يذبحون هذه الذبائح التي نستوردها منهم ذبحا شرعيا حقيقة أنا أقول لايجوز لنا أن تستورده منهم بل يجب علينا نقاطعهم حتى يتراجعوا عن سفك دماء إخواننا المسلمين هناك ، فسبحان الله مات شعور الإخوة التي وصفها الرسول عليه السلام بأنها كالجسد الواحد (( مثل المؤمنين في تواددهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر )) لم يعد المسلمون يحسون بآلام إخوانهم فانقطعت الصلات الإسلامية بينهم ولذلك همهم السؤال أيجوز أكل اللحم البلغاري !
لك يا أخي أنت عرفت إن البلغار يذبحون المسلمين هناك ولافرق بين مسلم عربي ومسلم تركي ومسلم أفغاني إلى آخره ، والأمر كما قال عليه السلام إنما المؤمنون إخوة ، فإذا كنا إخوانا فيجب أن يغار بعضنا على بعض و يحزن بعضنا لبعض ، ولايهتم بمأكله ومشربه فقط .
فلو فرضنا أن إنسانا ما اقتنع بعد بأن اللحم البلغاري فطيسة .. حكمها فطيسة لأنها تقتل ولاتذبح ، لانستطيع أن نقنع الناس بكل رأي لأن الناس لايزالون مختلفين إلا من رحم ربك كما جاء في القرآن الكريم ، فإذا كنا لانستطيع أن نقنع الناس بأن هذه اللحوم التي تأتينا من البلغار هي حكمها كالميتة ، لكن ألا يعلمون أن هؤلاء البلغار يذبحون إخواننا المسلمين هناك أما يكفي هذا الطغيان وهذا الاعتداء الأليم على إخواننا من المسلمين هناك أن يصرفنا عن اللحم البلغاري ولو كان حلالا هذا يكفي وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين .
المصدر: سلسلة الهدى والنور .. الشريط رقم 190 الدقيقة 25 إلى 29 .. للشيخ المحدث محمد بن ناصر الدين الألباني.

5- فتوى الشيخ عبد الله آل جبرين حفظه الله
السؤال: فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد...
لا يخفى عليكم ما يتعرض له إخواننا الفلسطينيين في الأرض المقدسة من قتل واضطهاد من قبل العدو الصهيوني، ولا شك أن اليهود لم يمتلكوا ما امتلكوا من سلاح وعدة إلا بمؤازرة مع الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا، والمسلم حينما يرى ما يتعرض له إخواننا لا يجد سبيلا لنصرة إخوانه وخذلان أعدائهم إلا بالدعاء للمسلمين بالنصر والتمكين، وعلى الأعداء بالذلة والهزيمة، ويرى بعض الغيورين أنه ينبغي لنصرة المسلمين أن تقاطع منتجات إسرائيل وأمريكا، فهل يؤجر المسلم إذا قاطع تلك المنتجات بنية العداء للكافرين وإضعاف اقتصادهم؟ وما هو توجيهكم حفظكم الله.
الجواب:
يجب على المسلمين عموما التعاون على البر والتقوى ومساعدة المسلمين في كل مكان بما يكفل لهم ظهورهم وتمكنهم في البلاد وإظهارهم شعائر الدين وعملهم بتعاليم الإسلام، وتطبيقه للأحكام الدينية وإقامة الحدود والعمل بتعاليم الدين وبما يكون سببا في نصرهم على القوم الكافرين من اليهود والنصارى، فيبذل جهده في جهاد أعداء الله بكل ما يستطيعه؛ فقد ورد في الحديث: ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)) فيجب على المسلمين مساعدة المجاهدين بكل ما يستطيعونه من القدرة، وعليهم أيضا أن يفعلوا كل ما فيه إضعاف للكفار أعداء الدين، فلا يستعملونهم كعمال للأجرة كتابا أو حسابا أو مهندسين أو خداما بأي نوع من الخدمة التي فيها إقرار لهم وتمكين لهم بحيث يكتسحون أموال المؤمنين ويعادون بها المسلمين، وهكذا أيضا على المسلمين أن يقاطعوا جميع الكفار بترك التعامل معهم وبترك شراء منتجاتهم سواء كانت نافعة كالسيارات والملابس وغيرها أو ضارة كالدخان بنية العداء للكفار وإضعاف قوتهم وترك ترويج بضائعهم، ففي ذلك إضعاف لاقتصادهم مما يكون سببا في ذلهم وإهانتهم، والله أعلم.
قاله وأملاه
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
المصدر: الموقع الذهبي للإسلام

6- فتوى الشيخ صالح اللحيدان عن المقاطعة
السؤال:
وهذا سائل من كندا يقول، هل يجب علينا نحن الذين في أوروبا، أن نقاطع البضائع الأمريكية؟ علماً أنه لا يتوفر البديل؟؟.
فأجاب فضيلة الشيخ: صالح اللحيدان-وفقه الله-:
أشرتُ في الجلسة الماضية إلى أن الجهاد لا ينحصر بحمل السلاح الفتاك الذي يأتي على المقصود ومن لم يُقصد، وإنما طرقه ووسائله كثيرة؛ باليد وباللسان والقلم والأمور المالية..
ولا شك أن مقاطعة المصنوعات الأمريكية(الولايات المتحدة)، والمصنوعات البريطانية، والأسترالية، جزء من جهاد المسلم لهؤلاء الذين أتوا بكل عدوان وكل مهزلة، فهم يقولون عن حديثهم عن العراق إنما جاءوا ليحرروا العراق في إذاعاتهم وبياناتهم الصحفية!!!، وهم في فعلهم هذا كأنما يُخاطبون عالَماً لا عقل له..
متى كان الغازي الذي يهدم البيوت على أهلها، ويُقتِّل الأطفال والنساء والشيوخ، بل والمسافرين الذين لا يَدري هل فروا من هذه الحرب أو ذهبوا لأمر آخر، متى كان هذا ليُحرِّر؟!!! إن مقاطعة المنتوجات الأمريكية والبريطانية والأسترالية، مع النية الصادقة نوعٌ من الجهاد في سبيل الله..
وأما قول السائل بأنه لا بديل، فإن الشيء الذي لا بديل هو الذي الناس في ضرورة إليه، بعد أن يعرفوا معنى الضرورة.. الناس كانوا ولا مصنوعات أمريكية، وكانوا عائشين.. وهم الآن-أي الناس- بطرق الاستيراد والتصدير أكثر استغناءً عنهم من ذي قبل. ثم إن الإكثار من الاستيراد من هذه البضائع والمنتوجات لهذه الدول الظالمة الغاشمة، فيه أيضاً نوع حفظ للمال، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الصحيح: ((كنت نهيتكم عن كذا وكذا..... عن منع وهات....إلى آخره.. \"وإضاعة المال\" في آخر الحديث)).
وصرف المال في شيء لا تدعو إليه حاجة ملحة، وفيه تقوية اقتصاد دولة ظالمة نوعٌ من إضاعة المال.. كما أن بذل مالٍ يسير في تحصيل معصية نوع من التبذير، والمبذرون إخوان الشياطين الشيخ صالح اللحيدان الفتوى من درس اللقاء المفتوح 5 صفر 1424هـ.. اهـ.
المصدر: الموقع الذهبي للإسلام



مائة وسيلة لنصرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
إن أول ركن من أركان الإسلام العظيمة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتحقيق الشطر من الشهادتين وهو شهادة أن محمداً رسول الله تتم من خلال الأمور التالية:
أولاً : تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر به ، وأوله : أنه رسول الله ومبعوثه إلى الجن والأنس كافة لتبليغ وحيه تعالى بالقرآن والسنة المتضمنين لدين الإسلام الذي لا يقبل الله تعالى ديناً سواه.
‌ثانياً : طاعته والرضى بحكمه ، والتسليم له التسليم الكامل ، والانقياد لسنته والاقتداء بها ، ونبذ ما سواها.
‌ثالثاً : محبته صلى الله عليه وسلم فوق محبة الوالد والولد والنفس ،مما يترتب عليه تعظيمه ، وإجلاله ، وتوقيره ، ونصرته ، والدفاع عنه ، والتقيد بما جاء عنه .
فعلى كل مسلم؛ أن يسعى لتحقيق هذا المعنى، ليصح إيمانه، وليحقق الشطر الثاني من كلمة التوحيد، ولتقبل شهادته بأن محمداً رسول الله، فإن المنافقين قالوا: (نشهد إنك لرسولُ الله والله يعلمُ إنك لرسولُهُ واللهُ يشهدُ إنَّ المنافقين لكاذبون) [المنافقون : 1]، فلن تنفعهم شهادتهم، لأنهم لم يحققوا معناها.
وإليك بعض الأمور التي يمكننا من خلالها العمل بمقتضى تلك المحبة، وواجب القيام بذلك الحق للنبي صلى الله عليه وسلم تجاه هذه الهجمة الشرسة عليه أن نفديه بأولادنا ووالدينا وأنفسنا وأموالنا، كل على قدر إمكانياته، فالكل يتحمل مسؤوليته ومن خلال موقعه:
على مستوى الفرد :
1. التفكير في دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم القاطعة بأنه رسول رب العالمين ، وأصلها القرآن الكريم ، وما تضمنه من دلائل على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم.
2. تعلم الأدلة من القرآن والسنة والإجماع الدالة على وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، والأمر باتباعه ، والاقتداء به صلى الله عليه وسلم .
3. العلم والمعرفة بحفظ الله لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , وذلك من خلال الجهود العظيمة التي قام بها أهل العلم على مر العصور المختلفة , فبينوا صحيحها من سقيمها ، وجمعوها على أدق الأصول التي انفردت بها هذه الأمة عن غيرها من الأمم السالفة .
4. استشعار محبته صلى الله عليه وسلم في القلوب بتذكر كريم صفته الخَلقية والخُلقية ، وقراءة شمائله وسجاياه الشريفة ، وأنه قد اجتمع فيه الكمال البشري في صورته وفي أخلاقه صلى الله عليه وسلم .
5. استحضار عظيم فضله وإحسانه صلى الله عليه وسلم على كل واحد منا ، إذ أنه هو الذي بلغنا دين الله تعالى أحسن بلاغ وأتمه وأكمله ، فقد بلغ صلى الله عليه وسلم الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، ورسولاً عن قومه.
6. عزو كل خير دنيوي وأخروي نوفق إليه ونتنعم به إليه صلى الله عليه وسلم بعد فضل الله تعالى ومنته ، إذ كان هو صلى الله عليه وسلم سبيلنا وهادينا إليه ، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.
7. استحضار أنه صلى الله عليه وسلم أرأف وأرحم وأحرص على أمته .قال تعالى : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } {الأحزاب : 6}.
8. التعرف على الآيات والأحاديث الدالة على عظيم منزلته صلى الله عليه وسلم عند ربه ، ورفع قدره عند خالقه ، ومحبة الله عز وجل له ، وتكريم الخالق سبحانه له غاية التكريم.
9. الالتزام بأمر الله تعالى لنا بحبه صلى الله عليه وسلم ، بل تقديم محبته صلى الله عليه وسلم على النفس ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين) .
10. الالتزام بأمر الله تعالى لنا بالتأدب معه صلى الله عليه وسلم ومع سنته لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } {الحجرات : 2} وقوله تعالى { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم } {الحجرات : 3} وقال تعالى : { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً } {النور : 63}.
11. الانقياد لأمر الله تعالى بالدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ومناصرته وحمايته من كل أذى يراد به ، أو نقص ينسب إليه ، كما قال تعالى : ( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه) .
12. استحضار النية الصادقة واستدامتها لنصرته ، والذب عنه صلى الله عليه و سلم .
13. استحضار الثواب الجزيل في الآخرة لمن حقق محبة النبي صلى الله عليه وسلم على الوجه الصحيح ، بأن يكون رفيق المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجنة ، لقوله صلى الله عليه وسلم لمن قال إني أحب الله ورسوله : ( أنت مع من أحببت ).
14. الحرص على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر ، وبعد الآذان ، وفي يوم الجمعة ، وفي كل وقت ، لعظيم الأجر المترتب على ذلك ، ولعظيم حقه صلى الله عليه وسلم علينا .
15. قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة ، مع الوقوف على حوادثها موقف المستفيد من حكمها وعبرها ، والاستفادة من الفوائد المستخلصة من كل حادث منها ، ومحاولة ربطها بحياتنا وواقعنا .
16. تعلم سنته صلى الله عليه وسلم ، بقراءة ما صححه أهل العلم من الأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وسلم ، مع محاولة فهم تلك الأحاديث ، واستحضار ما تضمنته تلك التعاليم النبوية من الحكم الجليلة والأخلاق الرفيعة والتعبد الكامل لله تعالى ، والخضوع التام للخالق وحده .
17. اتباع سنته صلى الله عليه وسلم كلها ، مع تقديم الأوجب على غيره .
18. الحرص على الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في المستحبات ، ولو أن نفعل ذلك المستحب مرة واحدة في عمرنا ، حرصاً على الاقتداء به في كل شيء .
19. الحذر والبعد عن الاستهزاء بشيء من سنته صلى الله عليه وسلم .
20. الفرح بظهور سنته صلى الله عليه وسلم بين الناس.
21. الحزن لاختفاء بعض سنته صلى الله عليه وسلم بين البعض من الناس .
22. بغض أي منتقد للنبي صلى الله عليه وسلم أو سنته .
23. محبة آل بيته صلى الله عليه وسلم من أزواجه وذريته ، والتقرب إلى الله تعالى بمحبتهم لقرابتهم من النبي صلى الله عليه وسلم ولإسلامهم ، ومن كان عاصياً منهم أن نحرص على هدايته لأن هدايته أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من هداية غيره ، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مهلاً يا عباس لإسلامك يوم أسلمت كان أحب لي من إسلام الخطاب ، ومالي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب) .
24. العمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم في آل بيته ، عندما قال : ( أذكركم الله في أهل بيتي ) ثلاثاً .
25. محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيرهم واعتقاد فضلهم على من جاء بعدهم في العلم والعمل والمكانة عند الله تعالى .
26. محبة العلماء وتقديرهم ، لمكانتهم وصلتهم بميراث النبوة فالعلماء هم ورثة الأنبياء ، فلهم حق المحبة والإجلال ، وهو من حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته .
على مستوى الأسرة والمجتمع :
27. تربية الأبناء على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم.
28. ‌تربية الأبناء على الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله .
29. ‌اقتناء الكتب عن سيرته صلى الله عليه وسلم.
30. اقتناء الأشرطة عن سيرته صلى الله عليه وسلم.
31. ‌انتقاء الأفلام الكرتونية ذات المنهج الواضح في التربية.
32. ‌تخصيص درس أو أكثر في الأسبوع عن السيرة تجتمع عليه الأسرة.
33. اقتداء الزوج في معاملة أهل بيته بالرسول صلى الله عليه وسلم.
34. ‌تشجيع الأبناء على حفظ الأذكار النبوية وتطبيق ذلك.
35. ‌تشجيع الأبناء على اقتطاع جزء من مصروفهم اليومي من أجل التطبيق العملي لبعض الأحاديث ، مثل : كفالة اليتيم , إطعام الطعام , مساعدة المحتاج.
36. ‌تعويد الأبناء عل استخدام الأمثال النبوية في الحديث مثل المؤمن كيس فطن , لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين , يسروا ولا تعسروا .
37. ‌وضع مسابقات أسرية عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم .
38. ‌تعريف الأسرة المسلمة بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال تطبيق مشروع ( يوم في بيت الرسول).

على مستوى قطاع التعليم والعاملين فيه :
39. ‌زرع محبة الرسول صلى الله عليه وسلم في نفوس الطلبة والطالبات من خلال إبراز حقه صلى الله عليه وسلم على أمته .
40. ‌الإكثار من عقد المحاضرات التي تغطي جوانب من حياة الرسول شخصيته صلى الله عليه وسلم .
41. ‌حث مسئولي قطاعات التعليم إلى إضافة مادة السيرة النبوية إلى مناهج التعليم والدراسات الإسلامية في التخصصات الإنسانية .
42. ‌العمل على تمويل وضع كراسي لدراسات السيرة النبوية في الجامعات الغربية المشهورة.
43. ‌تشجيع البحث العلمي في السيرة النبوية وحث الباحثيين على تصنيف كتب السنة بتصانيف عدة مثل المغازي والشمائل .
44. ‌العمل على إقامة المعارض المدرسية والجامعية التي تعرف بالرسول صلى الله عليه وسلم مع مراعاة التمثيل الجغرافي لنشأة الإسلام .
45. ‌تخصيص أركان خاصة في المكتبات تحوي كل ماله علاقة بالرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته والإهتمام به وجعلها في مكان بارز.
46. العمل على إعداد أعمال موسوعية أكاديمية غنية في السيرة النبوية تصلح كأعمال مرجعية وترجمتها إلى اللغات العالمية.
47. ‌إقامة مسابقة سنوية للطلبة والطالبات لأفضل بحث في السيرة النبوية وتخصيص جوائز قيمة لها.
48. ‌إقامة مخيمات شبابية تتضمن أنشطة تزرع محبة الرسول صلى الله عليه وسلم والتعلق بسنته.
49. إقامة دورات تدريبية متخصصة لإعداد القادة بالإقتداء بالمصطفي صلى الله عليه وسلم.
على مستوى الأئمة و الدعاة وطلبة العلم :
50. بيان خصائص دعوته ورسالته صلى الله عليه وسلم وانه بعث بالحنيفية السمحة وأن الأصل في دعوته هو حرصه على هداية الناس كافة إلى إفراد العبادة لرب الناس.
51. العمل على دعوة الناس وهدايتهم إلى هذا الدين ؛ بجميع أجناسهم وقبائلهم.
52. ‌بيان صفاته صلى الله عليه وسلم الخلقية والخُلقية قبل وبعد الرسالة .
53. بيان فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم وخصائص أمته بأسلوب ممتع .
54. بيان مواقفه صلى الله عليه وسلم مع أهله وجيرانه وأصحابة رضوان الله عليهم.
55. بيان كيفية تعامله صلى الله عليه وسلم مع أعدائه من أهل الكتاب والمشركين والمنافقين.
56. ‌بيان منهجه صلى الله عليه وسلم في حياته اليومية .
57. تخصيص الخطبة الثانية لبعض الجمع للتذكير بمشاهد من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم فضلاً عن تخصيص خطب كاملة عنه من وقت إلى آخر.
58. التعليق على الآيات التي تتكلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم عند قراءتها في الصلاة ولمدة ثلاث إلى خمس دقائق .
59. إضافة حلقات لتحفيظ السنة النبوية إلى جوار حلقات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد.
60. تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى عامة الناس حول سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم والدعوة إلى التمسك بما صح عنه صلى الله عليه وسلم بأسلوب بسيط واضح.
61. ‌ذكر فتاوى علماء الأمة التي تبين حكم من تعرض لرسول الأمة صلى الله عليه وسلم بشيء من الانتقاص ووجوب بغض من فعل ذلك والبراءة منه .
62. ‌العمل على رد الناس إلى دينهم من خلال عرض مبسط لمواقف الرسول صلى الله عليه وسلم الدعوية .
63. ‌التحذير في الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة من الغلو فيه صلى الله عليه وسلم ، وبيان الآيات التي تنهي عن الغلو كقوله ( لا تغلو في دينكم ) . والأحاديث الخاصة في ذلك كما في قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ) ، وبيان أن المحبة الصادقة هي في اتباعه صلى الله عليه وسلم .
64. حث الناس على قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مصادرها الأصلية وتبيين ذلك لهم.
65. دحض وتفنيد الشبهات والأباطيل التي تثار حول الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته.
على مستوى المثقفين والمفكرين والإعلاميين والصحفيين :
66. ‌إبراز شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وخصائص أمته من خلال نشر ذلك والتحدث عنه في المناسبات الإعلامية والثقافية.
67. ‌عدم نشر أي موضوع ينتقص فيها من سنته صلى الله عليه وسلم .
68. ‌التصدي للإعلام الغربي واليهودي المضاد والرد على ما يثيرونه من شبهات وأباطيل عن ديننا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
69. ‌عقد اللقاءات الصحفية والإعلامية والثقافية مع المنصفين من غير المسلمين والتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته.
70. ‌نشر ما ذكره المنصفون من غير المسلمين بشأنه صلى الله عليه وسلم .
71. ‌عقد الندوات والمنتديات الثقافية لإبراز منهجه وسيرته وبيان مناسبة منهجه صلى الله عليه وسلم لكل زمان وكان .
72. ‌إعداد المسابقات الإعلامية عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وتخصيص الجوائز القيمة لها.
73. ‌كتابة المقالات والقصص والكتيبات التي تتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
74. ‌الاقتراح على رؤساء تحرير الصحف والمجلات لتخصيص زاوية يبين فيها الآيات والأحاديث التي تدل على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم وأن محبته مقدمة على الولد والوالد والناس أجمعين بل ومقدمة على النفس وأن هذه المحبة تقتضي تعظيمه وتوقيره وإتباعه وتقديم قوله على قول كل أحد من الخلق .
75. ‌الاقتراح على مدراء القنوات الفضائية لإعداد برامج خاصة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وكيفية تعامله مع زوجاته وأبناءه وأصحابه وأعدائه وغير ذلك من صفاته الخلقية والخلقية.
76. حث مؤسسات الإنتاج الإعلامي على القيام بإنتاج أشرطة فيديو تعرض سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بطريقة احترافية شيقة.
77. ‌حث المحطات التلفزيونية الأرضية والقنوات الفضائية على إنتاج وبث أفلام كرتونية للناشئة تحكي شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض القصص من السنة النبوية.
على مستوى المؤسسات الخيرية والدعوية :
78. إنشاء لجان أو أقسام تحمل لواء نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
79. ‌تخصيص أماكن في المعارض والمؤتمرات المحلية والدولية التي تشارك بها المؤسسات لعرض الكتب والأشرطة المرئية والمسموعة التي تبرز خصائص الرسالة المحمدية.
80. تخصيص أماكن دائمة لتوزيع الأشرطة والكتب والمطويات التي تتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
81. ‌تخصيص جائزة قيمة بمعايير متفق عليها سلفاً لأفضل من خدم السنة والسيرة النبوية وإقامة حفل تكريم سنوي يدعى له كبار الشخصيات.
82. تبني طباعة كتب السيرة النبوية باللغات الأجنبية وتوزيعها على مراكز الإستشراق والمكتبات العامة والجامعية حول العالم .
83. إصدار مجلة أو نشرة دورية تهتم بالسيرة النبوية المطهرة وتعاليم الدين الإسلامي وتبرز صفات هذة الأمة ومحاسن هذا الدين الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
84. تخصيص صناديق تبرع لتمويل حملات نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والتأليف في السيرة والترجمة وإنشاء المواقع على الشبكة العالمية .
على مستوى العاملين في الشبكة العنكبوتية وأصحاب المواقع:
85. تكوين مجموعات تتولى إبراز محاسن هذا الدين ونظرة الإسلام لجميع الأنبياء بنفس الدرجة من المحبة وغيره من الموضوعات ذات العلاقة.
86. ‌إنشاء مواقع أو منتديات أو تخصيص نوافذ في المواقع القائمة تهتم بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وتبرز رسالته العالمية.
87. المشاركة في حوارات هادئة مع غير المسلمين ودعوتةم لدراسة شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم والدين الذي جاء به.
88. ‌تضمين أو تذييل الرسائل الإلكترونية التي ترسل إلى القوائم البريدية الخاصة ببعض الأحاديث والمواعظ النبوية.
89. إعداد نشره إلكترونية - من حين إلى آخر- عن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته وخاصة في المناسبات والأحداث الطارئة.
90. ‌الإعلان في محركات البحث المشهورة عن بعض الكتب أو المحاضرات التي تتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
على مستوى الأغنياء والحكومات الإسلامية :
91. دعم النشاطات الدعوية المتعلقة بالسيرة النبوية الشريفة .
92. ‌طباعة الملصقات التي تحمل بعض الأحاديث والمواعظ النبوية .
93. ‌المساهمة في إنشاء القنوات الفضائية والإذاعات والمجلات التي تتحدث عن الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم باللغات المختلفة وبالأخص اللغة الإنجليزية.
94. استئجار دقائق في القنوات أو الإذاعات الأجنبية لعرض أطروحات عن الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.
95. إنشاء مراكز متخصصة لبحوث ودراسات السيرة النبوية والترجمة إلى اللغات العالمية.
96. إنشاء متاحف ومكتبات متخصصة في بالسيرة والتراث النبوي الشريف .
97. ‌إنشاء مواقع على الإنترنت متخصصة في السيرة والسنة النبوية الشريفة.
98. طباعة ونشر الكتب والأشرطة والبرامج الإعلامية التي تبرز محاسن الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وشمائله بعدة لغات وخاصة اللغة الإنجليزية.
99. ‌المساهمة في دعم المسابقات الدعوية التي تهتم بالسيرة النبوية ورصد مبالغ تشجيعية لها.
الرقم 100 نتركة لك لتكمله وتبعث به إلينا على عنوان اللجنة.
أخي المسلم أختي المسلمة .. إن الواجب علينا جميعاً - كلٌ حسب إستطاعته - أن ننصر نبينا وأمامنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولذلك أعددنا هذة المذكرة حتى لا يبقى لأحد منا عذر، فلنعمل جميعاً على نشرها وتوزيعها، ودعوة الأهل وعموم الناس من خلال المجالس العائلية ، والمكالمات الهاتفية ، ورسائل الجوال ، على نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم .





المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:43 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22