إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن
تفسير الاستعاذة
تتمة عقبة الكبائر وكيفية التوبة منها فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري www.albahre.com ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كان الحديث في الليالي الماضية: عن تلك العقبات التي يلقيها الشيطان في طريق العبد إلى الله جل وعلا . وكان الحديث قد توقف بنا عند عقبة استفضنا فيها الحديث واسترسلنا في ذكر جزئياتها وفي ذكر تفاصيلها وهي عقبة الكبائر ، تلك العقبات السبع ذكرها ابن القيم رحمه الله ، قلنا : إن العقبة الأولى هي : ( الشرك ): إذا يئس الشيطان من إيقاع ابن آدم في الشرك ، ترحل معه وتنزل معه إلى العقبة التي تليها وهي بريد الشرك التي هي: ( البدعة ) فإذا يئس الشيطان من إيقاع ابن آدم في البدع جرَّه إلى الكبائر والكبائر – أيها الأحبة في الله – ليست على درجة واحدة ، بل منها ما هو كبير ومنها ما هو دون ذلك ولذا: قال عليه الصلاة والسلام : ( ألا أخبركم بأكبر الكبائر ؟ ) انظروا وتمعنوا في هذا اللفظ ، قال : ( ألا أخبركم بأكبر الكبائر ؟ ) إذاً: هناك ما هو أكبر الكبائر وما هو أعظم من الكبائر قلنا: يا رسول الله وما هي ؟ قال : (( الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقول الزور )) والكبائر: لا يتم للعبد تخلص من تبعاتها ومن أضرارها ومن أخطارها إلا بالتوبة منها . وتكون التوبة بشروط: ذكرها أهل العلم حسب الاستقراء للنصوص الشرعية ، فحسب التتبع للنصوص الشرعية استقرأ العلماء هذه الشروط التي هي شروط التوبة . الشروط الأول : أن يكون في توبته مخلصا لله جل وعلا : ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ فلا يتوب من أجل مصلحة دنيوية أو الحصول على منصب أو إظهار للناس بأنه من المتقربين إلى الله جل وعلا ، أو مجاملة ، أو تقليد لعادة من العادات – لا – بل تكون الدوافع له إلى هذه التوبة إنما هو ابتغاء الأجر من الله جل وعلا ، هذا شرط مهم جدا . ــــــــــــــــــ الشرط الثاني : أن تكون هذه التوبة في وقتها التي تقبل فيه : ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ وهي قبل الموت . قال جل وعلا : {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ } النساء17 يعني: قبل أن تصل الروح الحلقوم ، يعني قبل أن تغرغر الروح في حلق ابن آدم . ولهذا: قال عليه الصلاة والسلام : ( إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ) فلابد أن تكون هذه التوبة قبل نزول الموت ، فإذا نزل بالإنسان الموت حينها لا تقبل منه توبة . ـــــــــــــــــــ الشرط الثالث : أن يستغفر الله جل وعلا: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ قال نوح عليه السلام : {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } نوح10 ، وقال هود عليه السلام: { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ }هود52، وقال جل وعلا : { وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ }هود3، والنصوص كثيرة في ذكر الاستغفار ، وأفضل ما يستغفر به العبد هو سيد الاستغفار : ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ) إلى آخر هذا الدعاء ،هذا يسمى بسيد الاستغفار . ـــــــــــــــــــــــــ الشرط الرابع : أن يكون نادما على ما اقترفه من الذنوب : ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ ولذا قال عليه الصلاة والسلام: ( الندم توبة ) وإذا سبرنا حال الصحابة رضي الله عنهم : وجدنا أن الواحد منهم متى ما أعجزته نفسه وأوقعته في الذنب إذا به يندم ندما شديدا ويظهر هذا الندم بإقباله على طاعة الله جل وعلا . كعب بن مالك رضي الله عنه: وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا في غزوة تبوك ، وقصته طويلة مشهورة ، لما تاب الله جل وعلا عليه ماذا قال للنبي صلى الله عليه وسلم مظهرا ندمه على ما فات ؟ وأراد أن يسدل على ما مضى بستار النسيان وبستار الندم قال: (( يا رسول الله إني أريد أن أنخلع من مالي كله ، فقال عليه الصلاة والسلام أمسك عليك بعض مالك )) أبو لبابة : لما حصل ما حصل في غزوة بني قريظة: وكان له صلة بهؤلاء في الجاهلية إذا به يطلع عليهم من فوق الحصن ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد حاصرهم ، فقالوا على من ترى ننزل على رأيه من الصحابة ؟ فهم ذكروا له رجلا وهو سعد بن معاذ رضي الله عنه ، فأشار أنه الذبح . يعني: أن اختياركم لسعد بن معاذ لم يكن اختيارا صائبا ، لأن هذا هو الهلاك بعينه ، ولما اختاروا سعد بن معاذ رضي الله عنه ماذا حكم فيهم ؟ حكم أن تسبى نساؤهم وأموالهم وأولادهم ، وأن من بلغ منهم فإنه يقتل ، فمن أنبت ، يعني من أنبت الشعر الذي حول القبل يقتل . فالشاهد من هذا : أن أبا لبابة لما أشار إشارة خفيفة يسيرة جدا إلى أن اختيارهم لسعد بن معاذ هو الذبح ، لما أشار فقط بيده ، ماذا قال الله عز وجل ؟ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }الأنفال27 . فلما سمع بهذا الأمر ربط نفسه في سرية المسجد وقال لا أفك نفسي وجسمي من هذا القيد حتى يفكه النبي صلى الله عليه وسلم . فقال عليه الصلاة والسلام لا أفكه حتى ينزل الله عز وجل توبته ، فلما قبل الله جل وعلا توبته . ماذا قال أبو لبابة رضي الله عنه ؟ قال : ( يا رسول الله إني نذرت أن أتخلى عن مالي كله ، فقال عليه الصلاة والسلام يجزئ عنك الثلث ) الصحابة رضي الله عنهم: متى ما أذنب الواحد منهم ذنبا إذا به يسابق الريح إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول يا رسول الله احترقت ، كما في قصة المجامع في نهار رمضان : وفي رواية قال ( هلكت ) يعد الذنب هلاكا . وبالفعل : هو هلاك للعبد في الدنيا وفي الآخرة: إذا لم يتب إلى الله جل وعلا ، وكثير من الناس يذنب في حق الله جل وعلا وهو يأكل من نعمه ، وهو يغذي جسمه بفضل من الله جل وعلا وبإنعام وبآلاء منه ، ومع ذلك يعصي الله جل وعلا سرا وجهارا . يقول الشافعي رحمه الله موضحا حال العصاة والمذنبين الذين انصرفوا وانشغلوا عن طاعة الله جل وعلا : كم ضاحك والمنايا فوق هامته لو كان يعلم غيبا مات من كمد كم من شخص يضحك وهو يفعل المعصية والمنية فوق رأسه لا يدري { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } الأعراف34 . والقصص شهيرة في من قُبِض على حالة سيئة – نسأل الله العافية – وسبق وأن ذكرنا نصيبا وجزءا منها في الليلة الماضية . حتى إن بعضهم من شدة شوقه وتعلق قلبه بامرأة إذا به يقول عند وفاته : رضاك أشهى إلى قلبي من رحمة الخالق الجليل نسأل الله السلامة والعافية ، هذا يبعث يوم القيامة على هذه المقالة ، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( كل عبد يبعث على ما مات عليه ) وهنيئا والله لمن ختم له بعمل طيب صالح ، قال عليه الصلاة والسلام : ( من خُتم له بصيام يوم دخل الجنة ) يعني: من قبضت روحه وهو صائم يوم القيامة يبعث صائما ، من قبضت روحه وهو محرم يبعث يوم القيامة ملبيا ، ذلكم الرجل الذي وقصته دابته بعرفة قال عليه الصلاة والسلام: ( كفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ) أي لا تطيبوه ( واغسلوه بماء وسدر فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ) يوم القيامة في ساحة العرض وأي فضل وأي شرف وأي نعمة وأي كرم حينما يأتي يرفع صوته بالتلبية ( لبيك اللهم لبيك ) هذا فضل من الله جل وعلا . فالواجب على المسلم: أن يحذر من أن تعجزه نفسه فتوقعه في الذنب لأن الذنوب إذا تتابعت على القلب ربما يختم على قلب صاحبها ، ومن ثم لا ينتفع بموعظة إذا قسا القلب لم تنفعه موعظة كالأرض إن سبخت لم ينفع المطر فمن شروط التوبة : أن تكون نادما على ما فعلته من ذنوب سابقة . ـــــــــــــــــــــــــ الشرط الخامس : أن يعزم على ألا يعود إلى الذنب : ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ لا نقول ألا يعود إلى الذنب ، نقول : ( يعزم ) لأن عود ابن آدم إلى الذنب طبيعي ، وهذا شيء جبله الله في بني آدم وطبعهم على هذا الأمر قال صلى الله عليه وسلم : ( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ) وقال عليه الصلاة والسلام : ( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) وقال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم : ( إن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار حتى تطلع الشمس من مغربها ) فهي طبيعة ابن آدم ، بل ربما إذا اقترف العبد ذنبا وجنى جناية ثم رجع رجوعا صحيحا وتوبة نصوحا له ثمرات : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } ما هي الثمرات ؟ ما هي الفوائد ؟ { عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا } هذه هي ثمرات التوبة ، بل إن البعض: إذا أذنب ربما يعود إلى حالة طيبة سعيدة مسرور بها ، تلك النعمة وذلك السرور لم يحصل له قبل اقتراف الذنب ، كما قال عز وجل عن آدم: }وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى }طه121 ، لكن هذا الذنب : ما الذي فعله بآدم عليه الصلاة والسلام ؟ أثَّر فيه { ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى }طه122 ، البعض من الناس: إذا أذنب ذنبا انطرح بين يدي الله عز وجل ، جعل يبكي ، جعل يتضرع إلى الله جل وعلا أن يغفر له ذنبه فيزداد في هذه التوبة إيمانا ويقينا ورفعة عند الله جل وعلا . فهذه شروط خمسة تشترط في التوبة . إذاً : الكبائر لا ينفع فيها إلا التوبة . قد تكفر بعض الأعمال الكبائر ، على خلاف بين أهل العلم في بعض المسائل ، لكن الذي هو الأصل والعمدة والركيزة أن الكبائر لا تُكَفَّر إلا بالتوبة ، ثم إن من ثمرات ترك الكبائر: أن الصغائر تكفر . يعني أي إنسان متنحي عن الكبائر في المقابل ما جرحته يداه من الذنوب الصغائر تغفر له ، قال جل علا: { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً }النساء31 ، لا شك أن هناك أعمالا جاءت بمغفرة الذنوب، لكن هذه الذنوب هي الصغائر . لو قال قائل : أنا أعمل هذه الأعمال الصالحة التي بها تكفر خطاياي الصغائر وكنت مجتنبا للكبائر ، ما الفائدة ؟ نقول : الفائدة أنه متى ما اجتمع سببان فأكثر في تكفير الصغائر كان التكفير – كما قال ابن القيم رحمه الله – أتم وأنفع ، فيتعاضد هذان السببان على تكفير الخطايا . هذه هي الكبائر وهي العقبة الثالثة التي يضعها الشيطان في طريق العبد إلى الله جل وعلا ، إذا يئس من هذا الأمر نزل إلى العقبة الرابعة ، ما هي العقبة الرابعة ؟ هي الصغائر . وليس المراد من الصغائر التي يفعلها الإنسان وتلم به ثم يهرع بالتوبة إلى الله جل وعلا – لا – المراد من الصغائر : هو الذي يفعل الصغيرة ويصر عليها . والحديث عن هذه العقبة الرابعة هو محل حديثنا في الليلة القادمة إن شاء الله تعالى ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد |
الساعة الآن 07:46 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir